كل المواعيد التي هطلت على غدنا عرفناها

(1)

كل المواعيد التي هطلت على غدنا عرفناها
عرفنا كل شيءِ عن عجاف القحط
عن سفاح النفط
عن رب يقود خطى الجراد الى مرافينا البعيدة
ويخبِّيء الطوفان في كفيه
يمحق زرقة المدن المضاءة باشتهاء الحرف
بالنرجس البري فوق رغيفها
بالعشب والماء المطرز في اصابعها
بحلم قائم بالنور
لا تغريه سيدة البداوة والرحيل

....عرفنا
كيف ينتشل الغزاة فحيحهم من كرمة نهدت على دمنا النحيل
ويزوجون عبيدهم نخل الفرات
ويعبرون
وتسقط الاشعار والاشجار
مصمتة النشيد
مباحة الاشلاء في خوذاتهم
يلقون مئذنة الحضارة في هبوب الماء
يغتصبون ترتيب الفصول


"بغداد خيمة"(*)
وقطوف حكمتها حدود الوقت
ومداد نخلتها لهيب الصمت
لم ترزم حقائبها
ولم تنشر ترائبها
فجز شغافها الطوفان
لم يبك الخليفة زرقة الماء المطل على مآذنه الحزينة
هل كان يعلم كل شيء عن سقوط الحرف في قاع المدينة




(2)

والنهر
يولد في مدار الجمر
من سيقيله من فتنة الاسماء؟
من سيقيله من عاديات الصبر؟
من يجتاز غضبته
ويرفع فيضه وجدا يؤلف
تيهنا في كل امر؟


والنهر
يطعن ضفتيه لكي يرى
والماء ينزف ما يشاء
ويرتدي وجع الذرى
والماء
ليس الماء حبرا بل دماء مغرقات في نتوءات المدينة والجنود
تضلّ فينا
هل سترثينا وتكفر ما تنزَّل في القرى


(3)

والنهر لا
لا يغسل النهر الجريمة
يحفظ الاشلاء والاشكال والقصص المباعة والبنود
عرباته تمضي على رسل النزيف وتسطع الرؤيا ويرتفع النشيد

"بغداد خيمة "
وعلى الخيام تذكر الاشياء
وتقمص الاشياء
إن التذكر موقد الامم الحزينة



(4)
لا تذكروني
انا لن اسلِّم للقوافل اضلعي
تفاح جرحي ليس اعشابا وماء
انا نصف تاريخ السماء
تفاح جرحي نجمة ولدت معي

لا تحملوني خيمة في رحلكم
لا تقتلوني بالتذكر والحداء

كم ضل اسماعيل في صحرائكم
لا زمزم نهضت لترويه ولا هطل المساء
"في البدء كان الرمل"(**)
وجها اخرا للماء
ثم تخلقت في ذئبه الهجرة
وعلي ان امضي وابذر في مسافات اليباس
مواسم الاعراس والجمرة


(*)*(**) محمود درويش