أمانى أمين: التحول الإيجابى فى الشخصية المصرية أبهـر العالم


8 أغسطس 2014
مجلة نصف الدنيا ثم الأهرام اونلاين
بقلم:   فايزة المصري

 ليست هذه المرة الأولى التى تأتى فيها إلى الولايات المتحدة كزوجة لدبلوماسى مصرى، كانت المرة الأولى قبل أكثر من 25 عاما عندما كان زوجها ملحقا، أى فى أولى درجات السلم الدبلوماسى، أما الآن فهو سفير مصر فى واشنطن فى لحظة تاريخية نادرة. وبين الدرجتين رحلة حياة نستكشفها سويا فى هذا اللقاء مع الدكتورة أمانى أمين قرينة السفير محمد توفيق. الحوار مع د. أمانى تجربة ممتعة، فهى متنوعة الاهتمامات لدرجة مدهشة، تتمتع بخبرات مختلفة، عاشت فى أماكن شتى، ولاتخلو آراؤها ونظرتها للأمور من فلسفة من نوع ما.

تجربتان فى واشنطن
طبيبة أسنان تزوجت مهندسا وأديبا، وزادت الهوايات والاهتمامات المشتركة بالآداب والفنون من التآلف بين الزوجين. وعندما يقرر الزوج الالتحاق بالسلك الدبلوماسى تؤيده، وتستعد معه لاجتياز اختبار الخارجية، ثم ترافقه فى أول منصب خارجى له. فكانت واشنطن نقطة البداية، وكانت الأسرة فى انتظار المولود الثانى.
ومن الواضح أنها ممن تربطهم بالأماكن علاقات عاطفية عميقة، والدليل على ذلك أن البيت الذى عاشت فيه فى المرة الأولى كان من الأماكن التى حرصت على زيارتها فور قدومها لواشنطن المرة الثانية، وهى شقة صغيرة فى مبنى من ثلاثة طوابق تحيط به الحدائق ويقع فى ضواحى واشنطن.
تقول الدكتورة أماني: "فى هذا المكان عشت كأى أم عادية، ولم تكن واجباتى الرسمية بالعبء الذى يستغرق كل وقتى. تعرفت على المجتمع الأمريكى الحقيقى ورأيت تفاصيل الحياة اليومية للطبقة المتوسطة وهى القطاع الغالب من المجتمع الأمريكى، وذلك من خلال صداقاتى مع أمهات أمريكيات لأطفال فى مثل سن ولدَّى واحتكاكى بالناس فى الأسواق والمناسبات المختلفة. كانت تلك الفترة مثمرة أيضا على المستوى المهنى لأننى استكملت دراساتى المتخصصة فى مجال طب الأسنان وحصلت على إجازة ممارسة المهنة".
والفارق شاسع بين المرتين ففى المرة الأولى كانت أما لطفلين صغيرين، والآن يعيش ولداها بعيدا عنها، يعمل أحدهما فى مجال الاستشارات الإدارية. أما الآخر فحاصل على ماجستير فى المؤثرات الخاصة ويعمل فى مجال الرسوم المتحركة.

منتدى الكتاب العربى
الأدب من أبرز الاهتمامات فى حياة الدكتورة أمانى. وربما يعود ذلك فى جانب كبير منه لكون زوجها السفير محمد توفيق أديبا له روايات ومجموعات قصصية باللغتين العربية والإنجليزية، منها مجموعة "الفراشات البيضاء"، و"عجميست"، ورواية "حتى مطلع الفجر". فكانت هى من يقرأ أى عمل له قبل أن يدفع به للناشر. بل وكانت ترحب بالقيام بأى دور مساعد على سبيل المثال، دورها فى أول رواية له وكان عنوانها "ليلة فى حياة عبدالتواب توتو"، وهى جزء أول من ثلاثية تضم أيضا روايتى "طفل شقى اسمه عنتر" و"فتاة الحلوى"، وتدور أحداثها عبر مائة عام من تاريخ مصر.
تقول د. أمانى: "كنا نعيش فى هرارى بزيمبابوى، وقمت حينها بالبحث فى كل الكتب التاريخية لجمع الحقائق والمعلومات الموثقة عن الحياة اليومية للمصرين، عاداتهم وتقاليدهم فى تلك الفترة وهو ما أمكن تضمينه وتوظيفه فى البناء الدرامى لإضفاء المصداقية على الجو العام للرواية".
ثم تجلى هذا الاهتمام بالأدب فى تأسيسها منتدى الكتاب العربى.
تقول: "كنا آنذاك فى جينيف، وكانت أواخر التسعينيات بالنسبة لى فترة استكشاف الإنترنت، وبدا لى أنه من الممكن استخدام هذا الابتكار الجديد فى عمل مشروع مفيد أواصل متابعته وتنميته مهما تغير موقعى الجغرافى. من هنا ولدت فكرة المنتدى العربى وهو عبارة عن موقع إلكترونى باللغتين العربية والإنجليزية للتعريف بالأدباء والكتاب المبدعين وعرض أعمالهم من شعر ورواية وقصة قصيرة ومقال. كانت البداية زاوية بيت الكاتب العربى وفيها السير الذاتية لهؤلاء المبدعين. بعض الكتاب كانوا يرسلون إلى بسيرهم الذاتية، وكنت أقوم بإعداد هذه السير للأدباء الذين رحلوا من أمثال طه حسين ونجيب محفوظ. ووصل عدد هؤلاء الكتاب إلى حوالى 400 مبدع. وبلغ الموقع ذروة نجاحه فى عام 2004 عندما تعدى عدد زواره أكثر من ستين ألف شخص على مستوى العالم".

- هل يعنى ذلك أن الموقع حاليا فى حالة جمود؟
تقول: "إلى حد ما، وهناك أسباب لما يمكن أن نصفه بالجمود منها أن المواقع الإلكترونية، "الدوت كومز" التى ازدهرت فى آواخر التسعينيات وأوائل الألفية تأثرت سلبا بالطفرة التى أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعى لاسيما الفيس بوك والمدونات والتى صارت طريقة ميسرة، شخصية وفعالة لكثيرين من الكتاب لعرض أفكارهم. فضلا عن انشغالى حاليا بالمهام الرسمية وعدم تفرغى لتطوير الموقع الذى يقوم بالأساس على مجهودات مشكورة من جانب مجموعة من المتطوعين".

لغة الضاد
كمهتمة بالإبداع الأدبى، فإن مستقبل اللغة العربية من القضايا التى تثير لدى الدكتورة أمانى الكثير من علامات الاستفهام.
تقول: "نرى الآن الكثير من الروايات التى تدخل فيها العامية كلغة حوار بين شخصيات العمل، بل وهناك روايات باللغة العامية. وقد تكون بالمناسبة أعمالا جيدة المستوى. أعتقد أن التحدى أمام اللغة العربية أكبر من منافسة العامية. لابد للفصحى أن تتطور لمواكبة العصر. وهذا أمر غير مستغرب لأن اللغات الحية فى تطور مستمر بل إن التطور هو سبيلها للبقاء لكن التحدى هو أننا نعيش زمنا لم يعد فيه الكتاب هو المصدر الوحيد للقراءة. وجود الإنترنت والكتاب الإلكترونى واللغة المستخدمة فى الرسائل الإلكترونية، ودخول حروف لاتينية على الجمل العربية، كلها مؤشرات تجعلنا نتأمل الموضوع من منظور أكبر ونتساءل فعلا عن مستقبل اللغة العربية".

المكان والسعادة
رغم أنها عاشت فترة الطفولة والصبا فى القاهرة، وسافرت إلى مدن أخرى كثيرة حول العالم، إلا أن الشيء الذى اكتشفته بعد كل تنقلاتها الدبلوماسية أنها فى حقيقة الأمر إنسانة تعشق الريف ولا تحب حياة المدينة بصخبها وزحامها وتلوثها.
تقول: "لم أكن مدركة لماذا أحببت ضواحى واشنطن دون نيويورك وعشقت جنيف أكثر من لندن وباريس؟! الآن أدركت أن الطبيعة هى السبب. فى زيمبابوى عشت فى مدينة هرارى، وكنت أسمع الناس يقولون إن سماء هرارى تحتضنك. لم أعرف معنى ذلك إلا عندما عشت فى هذه البلدة الرائعة حيث يتسع الأفق وتبدو السماء فعلا وكأنها قريبة وحنونة. أعتقد أنى أحببت هرارى بدرجة لا توصف وكذلك كانبرا باستراليا وكانت أول عاصمة يعمل فيها زوجى كسفير".
لكن د. أمانى لا تعتقد أن المكان يصنع السعادة، بل إن الإحساس بالرضا شعور ينبع من داخل الإنسان نفسه. وربما كان سر سعادتها أنها كانت دوما تتأقلم فى أى مكان ومع أى ظروف.
شيء آخر يبعث فى نفسها السعادة هو العمل. تقول: "من الأشياء المشتركة بينى وبين زوجى أننا دائما نعمل ونستمد شعورنا بالسعادة من الإنجاز والنشاط وأجد صعوبة فى فهم مصطلح (قتل الوقت) أو (وقت الفراغ) وأى شيء يمكن أن نحققه لمصر ولو استرداد قطعة آثار صغيرة يجعلنا فى غاية السعادة".

مصر والمصريون
من المتوقع ألا تخلو حياة زوجة السفير من شيء من الضغوط بسبب مسئوليات وواجبات الوظيفة، لكن أن تكونى زوجة للسفير المصرى فى أهم عاصمة دبلوماسية فى العالم فى هذا الظرف التاريخى المهم، فلاشك أن تلك تجربة غير عادية.
تقول د. أمانى: "عندما قامت ثورة 25 يناير كان زوجى سفيرا فى لبنان وكان الناس هناك يتفهمون ما يجرى. ثم انتقلنا إلى واشنطن فشعرت وكأن كثيرين هنا قد أصابهم ما يجرى فى مصر بما يشبه الصدمة، مع وجود الكثير من عدم الفهم ليس فقط بين الأمريكيين ولكن من جانب البعثات الدبلوماسية الأخرى. وبالطبع كان دورنا كلنا- حتى كمصريين قبل أن نكون دبلوماسيين- هو أن نشرح الأمور ونرد على التساؤلات. الغريب أن بعض أعضاء البعثات الدبلوماسية الأخرى تصوروا أن تغير النظام سيستتبعه تغيير فى البعثات الدبلوماسية المصرية الموجودة فى واشنطن. وبالطبع كنا نوضح لهم أن الدبلوماسية المصرية مؤسسة ذات تقاليد عريقة وأننا بالأساس نمثل الدولة المصرية، لا نمثل أحزابا أو طوائف أو مجموعات مصالح".
ورغم أن كل الأحداث المتلاحقة التى مرت بها مصر خلال السنوات القليلة الماضية أسفرت عن تغيرات كثيرة غير مسبوقة فى حياة المصريين، إلا أن التغير الأهم من وجهة نظر الدكتورة أمانى هو ذلك الذى حدث للإنسان المصرى نفسه.
تقول: "استجابة المصريين لخارطة الطريق ومشاركتهم فى تنفيذ مراحلها من خلال الانتخابات مؤشر على ذلك. وقدرتهم على مواجهة ظروف الحياة الصعبة واستعدادهم لتقديم مزيد من التضحيات، إقبال المصريين فى الخارج على المشاركة بهذه الصورة التى شهدناها هنا ورغبتهم فى مساعدة مصر والاشتراك فى أى عمل جماعى من أجلها، كلها شواهد على هذا التغيير الإيجابى".
وإذا كان التحدى أمام أى دبلوماسى فى اللحظة الراهنة هو نقل وتوضيح وتفسير ما يجرى فى مصر بما يحسن من صورتها فى عيون العالم، ويؤثر بالتالى فى عواصم صنع القرار ويحقق الدعم والاحترام فى علاقاتها الدولية، فإن السيدة أمانى أمين قرينة السفير المصرى فى واشنطن ترى أن العامل الأكثر حسما يكمن فى المصريين أنفسهم، فبقدر ما يحققون من تغيير نحو الأفضل فى الداخل، بقدر ما يجبرون العالم على احترام إرادتهم واختياراتهم وبقدر ما تزداد مصر قوة وتأثيرا. تقول: "فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا لا يستطيع أحد أن يحسن الصورة، فالصورة لابد أن تكون فعلا جميلة".