جدلية الموت والحياة في رواية لازورد للكاتبة عبير العطار

 لازورد للشاعرة عبير العطار، تعتبر هى الرواية الثالثة، وقد أسعدني الحظ وناقشت لها الرواية الثانية (غواية روح).
 (رواية تشتعل من خيط الفناء).
أهداء :
(أهدي روايتي إلى كل الأمهات اللواتي لفظهن أبناؤهن).
هذان مدخلان في غاية الأهمية لقراءة الرواية من وجهة نظري، حتى اسم لازورد ، وهو الحجر الكريم بلونه الأزرق الصافي دلالة داخل النص عن فكرة النقاء والندرة، وهذا ما تود أن تطرحه الكاتبة عن جوهر الأم وقيمتها فهى نادرة وصافية مهما علق بها من شوائب، ولكن الجواهرجي الشاطر هو من يعرف قيمتها، ولأن الرجل (الزوج) والأولاد لا يقدرون قيمة الأم أثناء وجودها، فتظل تعاني من عدم الأحساس بقيمة الجوهر(الجوهرة) وهذه معاناة مهمة ودلالتها القوية فى الأهداء(أهدي روايتي إلى كل الأمهات اللواتي لفظهن أبناؤهن) ورغم أن الحديث الشريف ذكر الأم ثلاث مرات(أمك ثم أمك ثم أمك)إلا أن العقوق في هذا الزمان قد أصاب الكثيرين، ولا يقدرون قيمة الجواهر التى يملكونها إلا بعد فقدها، وهل هذا نتيجة التضحية من الأم والعطاء الزائد فجعل الأبناء أنانيون أنانية مفرطة ؟

الرواية مقسمة إلي 15 زمن ، وكل زمن له أسم خاص به.
بداية من الزمن الأول : معانقة الحياة  صـ4 وأنتهاء بالزمن الخامس عشر : سيظل الفضاء الأزرق صـ168 في الأهداء يغلب المنطق الشعري على السردي(كأس ألم نتجرعه  مع الصباحات الغادرة..) لو الأهداء أقتصر على(إلى كل الأمهات اللواتي لفظهن أبناؤهن) كان أوقع وأجمل.
(صوفي)
تصارع الموت، نلاحظ أن هناك راوي يتخفى بين السطور، رغم أن الرواية تروى من وجهة نظر صوفي، ومن الشخصيات في العمل(نهلة الصديقة ووالدها، الأم و(الأب) الزوج يوسف وكندة ويحيى أولاد صوفي.ثم لازورد وأبنها وأبنتها وزوجها الشهيد).
البداية نحن أمام حادث ومحقق في قضية مليئة بالألغاز، كتبت صوفي في مدونتها مقطع مفتاح للنص(فمن لحظة رؤيتي لكل هذه الدلالات في شخوص ميتة أو تزحف للموت.. وأنا أشعر بأنني لم أعد كما كنت)صـ8 تغير إحساس بالزمن، صرت أهب قلبي للحياة خوفا من بارقة تشير للموت).
- صوفي مذ كانت طفلة وهى تسأل عن الموت وسره وغموضه وكبر معها هذا الهاجس (لماذا تفترض أني أرهب مقدمك)صـ12 ، أم أنك ترتعد من قوة صبري عليك؟)
وهنا ينقلب الخوف من الطفلة/الشابة إلى الموت نفسه فهو الذي يخشاها عندما كبرت واتسعت مداركها.
الموت ينقض في لحظات الضعف، أي أنه يستمد قوته من ضعف الآخرين(تنقض علي في لحظة ضعف مطلقة حين أفقد كل اسلحتي لمواجهتك) وهنا لابد من البحث داخل الرواية عن أسلحة صوفي التى تمتلكها هى في مواجهة الموت والتي تستمد منها قوتها في الحياة، وتصبح الرواية في حركة جدل دائم بين الموت والحياة.
الأسلحة الأولى:
- بيت تعيش فيه
- مكتب يأخذ ركنا
- حاسوب تكتب عليه
- مقال أسبوعي.
(بدأت أتمتم بصوت منخفض كلماتي)نحن نعرف أن للكلمات سحر وقوة(هكذا أعتبر نفسي على منصة وبيدي ميكرفون) فهى من قوة الكلمة استمدت قوة الفعل بصوت عالي(ميكرفون)(حتى إن أصحاب المبادئ والقضايا صاروا لا يعيشون بسلام) كانت المبادئ فى يوم ما سلاح قوة وحماية مقابل الحياة(فرفضه ورغبته في التغيير يجعلانه يموج في عالم غريب عنه لا يشبهه، ويظل ينظر لهولاء المجازفين على أنهم أشباه إنسان)صـ13.
تقول في صـ 14
(أن الموت والحياة هى قدرة خالق لا قدرة إنسان) ومن يدعي المؤامرة أو الفكر التأمري لفناء البشر هم واهمون.(فحين رفعت الأقلام وجفت صحف المنكوبين عن حتمية نهايتهم ، نجدهم أنتقلوا في ثوان معدودات من عالم الأحياء إلى عالم الراقدين تحت التراب، هى قدرة خالق لا قدرة إنسان فان.
إذا الأسلحة التى كانت تحتمي بها صوفي من الموت أصبحت هشة وفقدت قوتها(البيت)(أتخيل أن الجدار يحمي قناعات الوهم، فمن يا ترى أقنع الجدار كي ينهار)صـ15 .
عندنا يقين ثابت
(الموت ذاته لا يرحل ، هو الشئ الوحيد ذو الأجل الطويل).
وهناك وجه آخر الأحباط
الحلم بالتغيير يتنحى عن البشر خلايا السرطان الشرهة تميت الجسد، الأتجاه نحو تفاصيل صغيرة للحماية(ثم كافأت نفسي بفنجان قهوة) لأنه لا يحمل رائحة الموت، لكنه يفتح بابا من المشاعر المنتقصة والمهزومة من فرط العجز.
إذا فنجان القهوة رغم بساطته وضعفه إلا أنه ربما يحمل قوة جبارة سلاح آخر لمواجهة الموت ولو لفترة زمنية قصيرة.

تعود بنا الرواية إلى حرب تحرير الكويت، تقابل يوسف وصوفي في دار مناسبات للعزاء.
وكأن من رحم الموت يولد الحب أو الأرتباط(أخبرني بكل لباقة عن رغبته بالرتباط) وكأن ذلك يعد أنتصارا على الموت أو محاولة جديدة للتسلح، كليات القمة، قدرته على فتح بيت، تحمل المسؤلية كما قالت لها الأم.
يأتي الموت للأب
(إصابته بالسرطان إلا حين مات، واشتعلت الروح بأول طارق للحزن)صـ19
لمواجهة الموت لابد من ظهور سلاح جديد(استمع له كنغم يعزف على مسرح المشاعر)
الكلمات الرنانة، النبرة الهامسة، فخ الزهو، الضحك، الجمال(حائط المقاومة لم يصمد أمام سحر كلمته)
ظهور سلاح جديد لمواجهة الموت(حب الأماكن التاريخية والأثرية، قضينا معظم فترة الخطبة نتجول في القاهرة الساحرة)صـ20
(يقبض على يدي بحنو وعشق ليخرجني من دائرة الملل التى عشتها منذ فقد أبي)
محاولة فرحة الأب الغائب في دعوة أولاده وزوجته إلى الفرح(دعوت سرا أخوتي وأرملة أبي)صـ22
سلاح جديد للمواجهة(الفيسبوك) فكرة فاسدة، أنقلاب حرفي فى العلاقات صـ30
التسلح بالشعر
(تذكرت وقتها يوم فقدت أبي، تلحفت بعباءة الشعر وصرت أبكي)
ذكر أسلحة جديد
- المحبة مع الجارة (لازورد)
- العمل بعد الطلاق كمحررة (كبسولات نفسية)
- الإجتهاد (أجتهد بكل ما أوتيت من قوة من أجل أولادي كي أجدد ثقتي بالحياة)نلاحظ أنه كلما ظهر الموت في حياة صوفي، ظهرت اسلحة جديدة في الحياة لأعادة الجدل من جديد بين الموت والحياة ومحاولة وضع بعض التوازنات النفسية لصوفي من أجل الأستمرار.
...
كنده تقول: كل الأمهات يقمن بالدور نفسه.
أعتقد أن كثيرا من الأمهات واجهن هذه الكلمة من الأبناء بأساليب مختلفة (كل الأمهات بتعمل اللي انتي بتعملية) حتى الزوج أيضا دائما يقول لزوجته (انتي طول النهار قعدة بتعملي إيه) ومن هنا تأتي المأساة القوية والحادة - إنكار الجميل وانكار تعب الأم- وجهدها الذي يراه الأبناء أنه أمر طبيعي تقوم به جميع الأمهات، تخيل أم تتحمل أعباء أولادها بعد أنفصال الزوج عنها عند صوفي، أو وفاته عند لازورد، سوف نجد هذا الجحود أيضا عند أبناء لازورد عند هجرها والسفر إلى كندا وتركها وحيدة. تزامن ثورة 2011 مع ثورة كندة على صوفي(كفي صراخا، أكره صوتك العالي، تسلط رأيك)صـ44
أحتاج أن تمنحيني مساحة حرية.. لقد أختنقت)
(دعت بعض صفحات مواقع التواصل كل الشعب للتخلص من النظام والفساد) وكأن هذه الدعوة تتماس مع ما قالته كندة لأمها -مساحة حرية-.
( تعطلت أفكاري عن التخطيط للخروج من متاهة المستقبل الغامض)
مستقبلها هى ومستقبل البلد.
زواج يوسف موت جديد لصوفي(وقتها دفنت كل الماضي في قلبي وسكبت فوقه نحاسا مصهورا )
سؤال صوفي بعد حذر زوجها لها(لماذا أتعجب مما يحدث سياسيا إذا كانت الإنسانيات قد خلعت عباءتها على بوابة المصالح).
ظهور أسلحة جديدة ضد الموت:
- السفر.
- الحكمة والصمت.
هذه كانت أسلحة صوفي كلما جاء الموت وكيف كانت تواجهه، وعندما ظهرت لازورد جاءت ومعها اسلحة جديدة ومختلفة.
- الأحجار الكريمة
- الطاقات للأرقام
- الشاكرات السبع
- القدرات الروحية
- علاقة الإنس بالجن
- القرين بالإنسان
- طبيعة الروح ومستقرها
- الملائكة وأعدادهم وقدراتهم.
ثم يأتي الموت ويأخذ منها الأم وعم أحمد أبو نهلة صديقتها.
نلاحظ تشابه في ظروف صوفي ولازورد
- طلاق الأم
- غياب الأب والحرمان منه
- زوجة الأب
- الجفاء بين الأم والأبنة
عند صوفي بسبب دعوة زوجة ابيها وأخواتها إلى الفرح.
وعند لازورد بسبب زيارة الأب في الأسكندرية.
(ماتت لازورد، قتلها الوهم)
طلاق صوفي من يوسف وزواجه ، وفاة زوج لازورد في الحرب أكتوبر 73 تربية الأولاد بمفردها.
 قصة شيرين الممرضة.
الأم قاسية، الأب مستسلم، أخ عاطل.
ظهور سلاح جديد في سماء صوفي (الذكاء الأصطناعي)
(فلا نتعجب أن الذكاء الأصطناعي قد قام بتخليق نسخة مني تقبع أمامكم)صـ109
الشنواني ويوسف
(كنت أقارنه بيوسف وباقي الرجال الذين يتخلون عن مسؤوليتهم دون مراعاة لما يتساقط منهم من أبناء، سيكونون البندقية التى تقصفهم حين يكبرون)صـ122
فرح زهرة - أزالة المنزل في المناطق القديمة.
(في المشهد الخلفي إشارة الإزالة تعني الكثير من العذاب، محو الذكريات وهوية المكان)
نلاحظ هنا أن الموت والفناء أصبح يطارد المناطق القديمة(العشوائية)المقابر الأثار مثل قصر المسافر خانة، فالموت لم يعد للإنسان فقط، ولكن للأماكن أيضا والذكريات.
موت لازورد
(مشكلتي مع الموت ليس في غياب المعرفة أو جهل الموعد، مشكلتي مع الموت أنه يحذرنا بأستمرار ويمنحنا إشارات لا نهائية لكننا لا نلتفت لها)صـ 152
(أن الأوان لأن أتأكد أن لكل منا تجربة مريرة)
(أنا لا أعرف هل لازورد أنا في المستقبل أم أنها ظلي في وحدتي)صـ174
هذا المقطع تأكيدا على أنا هى وهى أنا (صوفي هى لازورد بصيغة أخرى).
(فآويت أخيرا للفراش.. ألتفت التفاتة أخيرة لأتأكد من توحد المرآتين ليصبحا امرأة واحدة مغمضة العينين)صـ178
نلاحظ في هذا المقطع التوحد على مستويين :
المستوى الأول: صوفي مع لازورد
المستوى الثاني: المرآتان فى اللوحة التى كانت ملعقة فوق سرير لازورد وجاءت بها صوفي وعلقتها فوق سريرها.
في النهاية أشكر الشاعرة عبير العطار على هذا النص الممتع، وشكرا لكم جميعا.