ميرال الطحاوي و ظباؤها في براري الكتابة


ميرال الطحاوي و ظباؤها في براري الكتابة: هناك غيتو خارج المؤسسة الثقافية المصرية يستطيع تزييف كل شيء لانه يدعي النضال!

القاهرة ـ القدس العربي ـ 2002/05/15

محمود قرني



بعد روايتها الجديدة نقرات الضباء الصادرة حديثا عن دار شرقيات للنشر والتوزيع في القاهرة، تبدو الروائية ميرال الطحاوي احدي اهم المبدعات المصريات في السنوات الخمس الماضية، ليس لانها ذات حضور اعلامي طاغ، ولكن لانها مدعومةبموهبة ووعي جديرين بالاحترام. فهي بين المبدعات والمبدعين القلائل الذين يعرفون لماذا يكتبون، ويتخيرون مادة كتابتهم بعناية تستحق الاعجاب والتأمل.
وميرال في هذا الحوار ترد علي تساؤلات مُلبسة حول اختياراتها لعالم البدو، كمادة ابداعية، استطاعت عبرها ان تقدم عالما نادرا ومتكاملا، ليس عبر الدرس الانثروبولوجي ولكن عبر تقنيات كتابية تعي جيدا قيمة الحضور الانساني، وهي في ذلك تمثل عينا انتقائية مدركة لأزمة واقعها وأزمة شخوصها الذين تجاوزهم الزمن، علي الأغلب، كما توضح ميرال في هذا الحوار.
تتحدث ايضا عن اسباب استجابتها لعالم الغيتو الذي تصطفيه، وعما اذا كان ذلك استجابة لتصورات ما بعد الحداثة عن احياء الهوامش والجماعات والكيانات الصغيرة بما في ذلك علاقة الغرب بدعم هذه التصورات.
اما اهم ما تشير اليه ميرال في حوارها فهو ادراكها لمأزق الخطاب الحضاري الاسلامي العربي، الذي تؤكد علي انه منكوب بالقبلية، لا سيما وان هذه الفكرة باتت ضد الزمن، فهي لا تؤمن به وتسخر منه. وتبدو العلاقة الهزلية والساخرة بين الاب وبين الزمن في رواية نقرات الظباء . هذا الرجل الذي يذهب الي اقصي الارض حتي يبحث عن خيول غير هجينة، نقية تماما، وكذلك طيور غير هجينة وغير مستأنسة. وفي نهاية الامر يكشف ان ما يبحث عنه هو المستحيل. والبحث الدائم عن هيبة القبيلة والمركز الاجتماعي امرين مفاجئين يمثل محاولة لاستعادة الماضي الغابر الذي لن يعود، ببساطة، لان الزمن لا يعود.
وقد كان وعي الطحاوي بمأزقها التاريخي والحضاري شديد الوضوح في هذه الرواية. ورغم ان الاصطدام بالتسجيلية والمعرفية كانا أمرين مفاجئين في الرواية الا ان حنكة الكاتبة كانت وراء استدراكات سردية ذكية سرعان ما بددت هذا السكون الذي خلفه الوصف.
حول الكثير من الاشياء التي تتراوح بين الوعي، اللغة، المؤسسة الثقافية، المعرفية، التاريخ تتحدث ميرال الطحاوي في هذا الحوار:

في البداية اريد ان نتحدث عن الوصف، عن التسجيلية، عن اجواء الانثربولوجيا التي هددت هذا النص (نقرات الظباء) بين صفحة واخري، كيف ترين هذه العناصر في التصغير الروائي لعملك؟
اذا كان ثمة معرفية ملتصقة بالنص، فهناك اطاران لهذه المعرفة الانثربولوجية، لا سيما تربية الخيول، وصيد الطيور الجارحة، وكلاهما احاول ان اجعل لهما تشكيلا رمزيا داخل النص، بحيث يفارقان المعرفة ليلتصقا بالثقافة وبانهيار الثقافة. فالخيول كانت مرتبطة بقوة القبيلة حيث يتناسب عدد الخيول مع مكانة القبيلة، وتلتصق الخيول ايضا بفكرة السلالة. فنقاء القبيلة من حيث النسب يتوازي مع فكرة نقاء الخيول ايضا، وتدهور الثقافة العربية، كان مصحوبا بتحول مفردات هذه القوة (الخيل) الي مجرد فلكلور وانماط هجينة من سلالات مختلفة. وكذلك صيد الصقور حاولت ان اخرجه من فكرة الهواية الي دلالة رمزية، فالعربي كان يشبه نفسه في اشعاره بالطير الحر، لان هذا الطير لا يأكل من بقايا غيره، بالاضافة الي قوته وسرعته، ولكنه غير قابل للترويض، فكانت القبائل التي تقيم ثقافتها علي حرية التنقل والترحال والحرية المطلقة نجد في هذا الطير ما يشاكلها، وبالتالي حاولت فهم الثقافة القبلية بمفرداتها التي يحكم اطلاق عليها لفظ فلكلورية فقبل ان تتحول الاشياء الي فلكلور كانت منظومة ثقافية لجماعة بشرية، والثقافة ما زالت تتحكم فينا عبر رصد تحول الخيول الي كائنات هجينة بلا سلالة، والطيور الحرة الي دواجن، علي كثبان الملح يحكم رؤية المشهد بصورة اكثر رمزية بالاضافة الي انني لا اعتبر ان الرواية عمل عاطفي بالدرجة الاولي، بل عمل يتوازي فيه ما هو معرفي بما هو وجداني ومعظم روايات الادب العالمي الكبيرة والصغيرة ايضا بشرط الا تصبح المعرفية استعراضا للمعلومات بلا سياق. انا اعتبر ان علم الفلكلور او الانثربولوجيا هما التاريخ الاجتماعي غير المكتوب لجماعات بشرية اسقطها التاريخ كما يحكم للكاتب ان يتساند علي ما هو تاريخي او ايديولوجي او حتي سيري. انا احاول ان اقارب بين تاريخ البشر وتاريخ كائنات اصبحت الان فلكلورا. فالاغاني مثلا قد تكشف، الي جوار دلالاتها المباشرة، طرق التغزل وانماط الحياة وطرق التعبير عن المشاعر، فهناك ثقافة قائمة علي الاهازيج والاشعار مثل الثقافة العربية. النص مجبر علي احتواء هذا الزخم وتوظيفه لفهم هؤلاء البشر، وايضا ليصبح للنص مصداقيته. هنا قد يصبح النص خاصا او غير مفتوح لكل قارئ، لكنه يصبح اكثر تمثيلا لهؤلاء البشر.
تجربتك المهمة واللافتة تستوجب كلما طالعناها، علاقتها بروائيين كبار عملوا واشتغلوا علي هذا الحقل ـ جماعات الهامش ـ وابراهيم الكوني نموذج ساطع علي هذا. كيف ترين علاقتك به في اطار العلاقة المتبادلة بالقبيلة؟
انا اري ان نكبة العالم العربي داخل هذه الثقافة هي في مفهوم القبلية. ببعدها السياسي والاجتماعي، فالتضحية بمصالح الفرد لحساب القبيلة. وهذه المنظومة تسير مدعومة بالنص الديني، ولا احد يستطيع انكار ان النص الديني انبثق مما هو قبلي ايضا. برغم محاولة هذا النص التخلص من محدودية هذا الواقع القبلي، الا انه بعد عقدين او ثلاثة عادت القبيلة لتسيطر علي المنظومة السياسية الاسلامية (الدولة الاموية مثلا) فالصراع السلطوي القبلي الذي ساد لقرون طويلة. فهذا التنظيم من حيث الشكل قد يطبق علي جماعة بشرية صغيرة كالتي انتمي اليها (اسرتي مثلا) وقد تنطبق علي ما هو اكثر اتساعا (الثقافة مثلا) لذلك ستجد ان هذه القبلية لا تمزق من حيث الجغرافيا بين الشمال الافريقي او قلب الجزيرة العربية، او حتي القبائل الافريقية التي تسكن اواسط افريقيا. فالمنظومة القبلية واحدة. ووجود المحرم والقوي الاجتماعية القامعة يمكن ان تخلق هذه المفردات، متشابهات داخل ما اكتب، هذه المتشابهات التي نكتب عنها تشير الي نفس الانماط التي تمثل مادة الكتابة. وابراهيم الكوني يشكل أنماطه فلسفيا، وانا لا انكر ان تجربة الكوني من التجارب الكبيرة والرائدة داخل اللغة العربية، ولها اكتمالها، لكن ما زالت الجيوب العرفية داخل الثقافة العربية تحتاج الي مواهب كبيرة لرصد تميزها واختلافها. لان داخل هذه الجيوب جماعات بشرية اسقطها التاريخ، (مثل البربر، الطوارق، الاكراد)، الحقيقي المكتوب ، لكن التاريخ الاجتماعي للجماعات البشرية لم يكتب بعد.
الرفض العارم لهذا الماضي الذي ترينه مثيرا للسخرية يبدو في جانب منه نوستالجيا او هو نوع العودة الحميمة. أليس ثمة علاقة بين شعورك هذا علي تناقضه؟
انا في اعماقي تمرد علي هذا التاريخ يصل الي حد السخرية. لكنها سخرية لا تخلو من التعاطف. هؤلاء البشر الذين يشكلون واقع ثقافة اصبحت تدفعني الرغبة لمعرفة هذه الثقافة. واعتقد ان التمرد عليها دون الوعي بها لن يفضي الي شيء وان التعاطف، الصيغة البديلة للتمرد، لن يخلق الا تواطأ مع قيمها القاهرة. انا نفسي وانا اكتب كانت تتلبسني هذه الحالات. حالات الحنين، وحالات الرفض، التي حاولت ان اقصيها عن ذاتي لا اراها بوضوح.
شخصية الاب كانت علامة فارقة وفاضحة من عالم نقرات الظباء كيف ترين الاب ومن شاكله في اجواء هذه الرواية؟
اعتقد ان هؤلاء مشكلتهم الحقيقية في عدم قدرتهم علي فهم منطق الزمن. الزمن الذي يتجاوز نقاء السلالة. اي يتجاوز المفاهيم العرقية. واري في مقاربتهم تشكيلا رمزيا لما نحياه في الحقيقة. مثل عدم الفهم لاليات القوة وآليات الضعف، والتشبث بالامجاد والانساب، داخل منظومة ثقافية وداخل منظومة اجتماعية تم تغييرها. واشكاليتنا الان عدم اتساقنا مع منطق التغيير فليست المسألة، مسألة صحراء فيزيقية، انما ثقافة فارقت الصحراء بالمعني الواقعي لكنها لم تنتج مدينة، ولم تستطع ان تعايش هذه المدينة.
ثمة رواج ما بعد حداثي لمفهوم ثقافة الهوامش والاقليات.. وربما كان هذا الفهم المدعوم غربيا وراء احتفاء وتمسك كثيرين بالعيش داخل هذا الجلباب المزيف في كثير من الحالات. هل ثمة استجابة لديك الي هذا الفهم وهذا التصور.. رغبة في الانتشار؟
هناك نص يشتغل علي محاورة النصوص المترجمة. وهناك نص ينتمي الي ثقافته. وانا انتمي لثقافة السير الشعبية، الحكايات الاهازيج والاغاني، التراث السردي العربي كله، باختصار أنا انتمي لنفسي وانا اتصور ان التراث السردي العربي تراث غني، وقادر علي خلق نص حداثي بمعايير غربية خالصة وان الموضوعة التي اكتب عنها لا تنسجم مع معطيات خارجية. وفي الورقة التي قدمتها بالدوحة قلت ان هناك سلطة للنص المترجم علي النص العربي، وذلك استمر لفترة طويلة فمن قميص يورخيس لعباءة ماركيز لكونديرا. فهناك دائماً من عالم الترجمة نص يتم له الرواج ويحدث ما يشبه الالتباس. علي الرغم من ولعي بالنصوص المترجمة الا انني وجدت نفسي اكثر ميلا الي الثقافة العربية والي الموروث الحكائي العربي. وان ما يعنيني كل مرة هو خلق فضاء جديد. بشر لم يكتب عنهم احد. تاريخ وجغرافيا وعوامل اكثر من عنايتي باقتناص حالة سردية واحدة لاكتب علي شاكلتها. وانا لا انفي تأثرنا جميعا بالتراث المترجم لكني غير معنية بخلق نصوص علي هيئة ما يكتبه الاخرون واحاول ان اجعل النص ابن عالمه، وابن ثقافته. وبقدر ما يستطيع ان يكون كذلك يصبح اكثر مصداقية مع تاريخ الكتابة ومع العين الاخري التي تنظر الي ثقافتنا (الترجمات) لانه حين يتم ترجمة العمل الي لغة اخري، اذا لم يفصح عن نفسه وعن هوية ثقافته وخصوصيتها فانه يصبح غير جدير بالنظر من قبل الثقافات الاخري.
لغتك ذات المستويات المتعددة لا تستجيب للشائع حول مفهوم اللغة الادائية.. التي اوقعت نصوصا كثيرة في ضحالة وفجاجة مثيرتين للقرف. كيف ترين علاقتك باللغة؟
انا اكتب عن ثقافة احتفاؤها الاساس باللغة لدرجة ان النصوص الكبيرة في الادب العربي كانت السمات السابقة فيها للغة. وقدرة الشاعر فيها تكمن في انه يأتي بما لم يأت به الاوائل. واتصور ايضا ان نصي يختفي باللغة من حيث هي نمط جمالي وانه يهتم ايضا بان تصبح ابنة هذا العالم. فالاب في الرواية يبني حواره مع العالم من خلال الشعر ويعبر عن وجده ويأسه وأساه من ميراث الشعر العربي.
واتصور ان السارد ايضا سيكون متورطا بالضرورة داخل هذا العالم واتصور ان اللغة المحايدة البسيطة، التي كانت تمثل قمة الاداء الحداثي قد انجبت نصوصا كثيرة لا معني لها وان النصوص الاجنبية ايضا المترجمة لم تعد علي هيئة المدرسة الفرنسية الراصدة. دخلت الينا المدرسة التركية عبر اكثر من كاتب. هذا الي جانب رواية امريكا اللاتينية. وكذلك الروايات التي تعبر عن الشرق (شرق آسيا الصين، اليابان) هذه تجاوزت ايضا فكرة الراوي المحايد. لا اقول ان الرواية تعرف الثبات علي شكل او علي هيئة، ولكن ادعي انه كلما خلق النص لغته واصبح هناك هذا العناق العضوي بين العالم والسرد واللغة والشكل اصبح النص اكثر اتساقا مع نفسه ومع ما يقدمه.
انت موضع تساؤل... بل موضع اتهام.. لماذا تتم ترجمة اعمالك علي هذا النحو الواسع.. البعض يري ان علي الكاتب تقديم تنازلات جمة حتي يصل الي سقف كهذا.. وربما كانت العمالة هي احد اسرع هذه الاتهامات... كيف ترين ذلك؟ هل الجماعة البشرية التي تتبنين قضيتها وراء هذا الاهتمام؟
الجماعة البشرية التي تتحدث عنها ليست لديها اي هموم انفصالية يقويها القرب او لا يقويها. وان كنت اتحرز من هذا الوصف. فهذه الجماعة البشرية لا تصبح جيبا له مطالب سياسية من اي نوع، بل تصبح رمزا لواقع ثقافة تمتد من المحيط الي الخليج، فلا اتصور ان اكتب عن جيب. ولكني اجد ايضا ان التعامل مع الترجمة باعتبارها مرادفا للعمالة هي جزء من التفكير القبلي الذي يري الاشياء بمنطق التآمر وان كل ما عداي يتآمر عليّ فما مبرر الترجمة الواسعة لما يكتبه صنع الله ابراهيم او جمال الغيطاني باعتبارهما المثال الاكثر حضورا في كل اللغات الاجنبية. واتصور ان الترجمة هي جزء من الحوار الحقيقي مع الثقافات الاخري. وان هناك سوء فهم عميقا بين الانظمة السياسية الغربية التي هي مناوئة لنا وبين الجمهور القارئ مثلما هناك سوء فهم عميق بين الشرق والغرب، لا يمكن لجسم ان يعبره الا للتواصل الثقافي وان ترجمة النصوص الادبية هي الاكثر قدرة علي تقديم ثقافتنا بشكل نموذجي غير قابل للالتباس. ولكن يقف بصدق امام ذلك المؤسسات الصهيونية التي تحكم كل دور النشر الاجنبية والتي تجعل من هاو علي مقاه تل ابيب كاتبا كبيرا بينما يصبح السؤال الوحيد الذي يوجه للكتاب العرب لماذا تكتبون الرواية وهي فن اوروبي؟! باعتبار انها ثقافة اقل من ان تشرب من نفس الوعاء الذي يشرب منه الاخرون. هذا التناقض بين وضع الكاتب المترجم داخل ثقافته وخارج ثقافته يخلق اشكالية كبيرة.
وبالنسبة لي الترجمة تمت من خلال المؤسسة الوحيدة التي تقوم بذلك وهي الجامعة الامريكية والتي ترجمت كل الكتاب العرب. مثل صنع الله ابراهيم، فؤاد التكرلي، لطيفة الزيات، جمال الغيطاني، ابراهيم عبد المجيد، وتم تسويق كل الترجمات عبر نفس المعبر. لا استطيع ـ في حقيقة الامر ـ فهم بيع نص الي اكثر من احدي عشرة لغة، لكن فخورة ان هذا لم يتم عبر دعم اي مؤسسة، سواء متوسطية او غير متوسطية، لانني اشك كثيرا في هذه المؤسسات واعتبر ان الوجود، عبر حركة البيع والشراء، هو الوجود الشرعي الوحيد لاي كاتب.
حدثيني عن قضية الكتابة النسوية هذه القضية الملتبسة، كيف ترين علاقتك بها، حدثيني عن نساء نقرات الظباء وكيف ترين في اطار فهمك قضية خروج المرأة للحياة ؟
انا لا انكر انني اكتب عن نساء، لأن خبرتي الانسانية كلها داخل هذه العوالم، وايضا حينما حاولت الكتابة عن الرجل كان عن الاب او الاخ، وكلاهما وقع تحت عين امرأة، وادعي ان كل كاتب هو ابن خبرته الحياتية، وان كنت قد وجدت في ذلك ثراء كبيرا، لان النساء في هذا الزمن وهذا المكان والعالم، لم يسمح لهن بكتابة تواريخهم الشخصية. ادعي انني حاولت التاريخ لنساء لم يستطعن الكتابة او البوح وان النموذج المرأة داخل المجتمع البدوي هو نموذج غامض ومغر وايضا ثري. وعوالم النساء دائما مفعمة بالحكي والتفاصيل وقادرة علي تلخيص الوجود القبلي في اقصي صوره حيث ان المرأة في القبيلة، عليها وحدها ان تحتفظ بمقولة الشرف ونقاء النسب، وما يستتبع ذلك من ارث اجتماعي تظل تحت ثقله في محاولة ابدية للهرب. ومثلا رواية الخباء كانت فكرة بيت الشعر ليظل الجزء الخاص بالخيمة يظل خباء ابديا للنساء، رغم ان الخيمة تم تجاوزها تاريخيا.
في فقرات الظباء ، هناك بحث عن فكرة نقاء النسب. البنات المكلفات يتوارثن الاب محافظة علي الذرية بما في ذلك من وأد وقهر، ليؤكدن فكرة القبيلة. هذه المرادفات البدوية. وهنا تبدو التضحية بما هو انساني لصالح القبيلة.
وانا اجد في هذه النماذج بعض نفسي، واجد فيهن احالة واسعة يمكن ترميزها ولا ادعي انني ابحث عن صكوك او انني لدي مطالب، ولا اريد ان استثمر فكرة القهر الانثوي لان الاطار الانساني يصبح الاكثر قربا بالنسبة لي، وايضا المسألة ليست حقوقية بالاساس، لكنها روح دربت علي الخضوع وتخايل التمرد.
الا ترين ثمة استغلال بشع لقضية النسوية.. باعتبارها اصبحت مادة شهية للكسب والاستثمار لأنصاف الموهوبين والموهوبات؟
ثمة استغلال سييء لاشياء كثيرة، للتاريخ وللثقافة وللمرأة ولكن اتصور ان السلطة الوحيدة التي ستحاكم المبدع هي التاريخ. تاريخ الكتابة ـ بمعني انه المقصلة الاكثر قسوة التي تلقي بالنصوص، ذات الخطاب العالي والاهداف المحددة الي اللحظة الزمنية المؤقتة، بينما ستبقي النصوص الاكثر مصداقية وانه في احوال كثيرة كانت بعض الظواهر ـ ظواهر الكتابة ـ رائجة وتحقق استثمارا فوريا، لكنني اتصور ان الكتابة، رغبة في مجاوزة الغناء، وان كل كاتب يكتب يحاول ان يصبح موجودا، عبر نص يبقي، والقليل من الكتاب نجح في ان يبقي والكثيرون نجحوا في اقتناص الشهرة، واقل من هذا وذاك نجح في اقتناص الشهرة والبقاء.
وكيف ترين دور المؤسسة الثقافية لدينا.. هل ترينها فعلا ذات مشروعية تتلاءم وسلوكها واختياراتها وهباتها؟
المؤسسة الثقافية لم تصنع كاتبا، ولا تيارا ولا اتجاها، المؤسسة الثقافية تحاول ان تخلق مصداقيتها عبر احتواء الاسماء التي تظن ان ثمة اجماعا من المثقفين عليها، وهي في الفترة الاخيرة تحاول تجميل صورتها الرديئة، من وجهة نظري ليست هناك هذه المؤسسة من الاساس، فالمجلس الاعلي للثقافة لا يدخر جهدا في احياء المؤتمرات واحتواء كل الاسماء، وكل العناوين، الذي يسقط من الذاكرة يسقط لا اراديا (سهوا). هناك لدي المؤسسة توجه باحتواء كل الظواهر، وكل العناوين وكل الكتاب، لكنها في المقابل غير قادرة علي خلق هذا الاحتواء.
وانا اسألك من هم من كتابنا الكبار خارج المؤسسة؟!
العالم، الخراط، جابر عصفور، اصلان؟ الفصام بين المؤسسة والمثقفين كان موجودا في فترة ما، تحاول السلطة السياسية الان احداث نوع من المقاربة.
لكني اتصور ان الاشكال الحقيقي في ان المؤسسة انها ليست مؤسسة، اي ليست لديها فعاليات او ذات قيمة، وليس لديها اغراءات حقيقية.
واستطيع ان ادعي انني لم اسافر مرة واحدة خارج مصر بدعم هذه المؤسسة او بدعوة رسمية واستطيع ان ادعي ان فوز الخباء بجائزة معرض الكتاب كان بعد ترجمتها الي 11 لغة، وبعد نفاد الطبعة الرابعة باللغة العربية. فالمؤسسة لا تغامر باستقطاب احد انما تحاول تجميل صورتها بمن حقق بعض الوجود، المشكلة ان مؤسسة بلا فاعليات تثير ضدها الضغينة او الاهواء وهي حقل من حقول البيروقراطية بتمثل فيما هو ثقافي. وفي وقت من الاوقات كانت هذه المؤسسة تستطيع ان تصنع كاتبا، مثل يوسف السباعي، او ثروت اباظة، لكنني استطيع الان ان ادعي انها غير قادرة علي صنع شيء.
انتهي زمن المؤسسة الثقافية. والنموذج السائد نموذج فردي، وانا اشير هنا الي كل المؤسسات المدعومة بمفهوم ايديولوجي، فاليسار لم يكن اقل اثما في الاسماء التي قدمها وكرسها، وهذا في رأيي في صالح الكتابة وان يقوم كل كاتب بخلق اسمه ووجوده بمفرده.
وهل هذا يرد علي البعض سهامهم الموجهة للمؤسسة الثقافية باعتبارها مؤسسة لا يعول عليها كيف ترين واقع الحال بشكل اوسع وبعيدا عن المؤسسة الثقافية.. اي في علاقته بمنتج الثقافة؟
الحياة الثقافية عندنا وكأنها تتعمد طرح موضات وآليات. والكاتب احيانا ما يقع تحت سطوة ذائقة ثقافية معينة تدعي مثلا الحداثة، ما بعد الحداثة، وتساهم في تشويه حالة التلقي، بحيث انت لا تستطيع ان تفهم مبررات هؤلاء الجمالية، لاعلاء نص علي اخر، انا اتصور ان هذه الجماعة اكثر هيمنة وسلطة من المؤسسة، لانها تدعي قدرا كبيرا من النضالية ومن الشرف ومن النزاهة بينما هي في الحقيقة اكثر قدرة علي تزييف واقعنا الثقافي، قد نسميها الشللية، الفيتو ونسميها الاجيال ايضا هذه الاجيال التي تفرض سطوتها وتصر علي ذلك، انا لا انكر انني واجهتها واستطعت الافلات من تأثيرها المباشر بان اخلق قارئا عربيا بالطبع خارج مصر وداخل مصر، في نفس الوقت هذا يحيلني الي ذائقة نقدية اكثر اتساعا لأنه في تصوري ان الرواية العربية استطاعت الافلات من هذه السطوة، وفي هذا الاطار ثمة ذوق محايد غير معني بالمشاكل الصغيرة بالكتاب المصريين والذي يكرسني ككاتبة، عندما شعرت بأن ثمة متلقيا اخر غير معني بالتصنيف الشللي كما استطعت الاطمئنان الي الكتابة والاستمرار والعكوف علي تجربتي.