متفائل لأن التاريخ يمشي إلي الأمام

الطاهر وطار :النقد العربي 'أرزقي ' ! حاورته بركسام رمضان- أخبار الأدب سبتمبر 2003

'أرفض أن اسلم نفسي للزمن وأؤمن أن الكاتب المتجدد بإمكانه أن يتحدي حتي الموت'. عبارة يرددها كثيرا 'الطاهر وطار' الروائي الجزائري الكبير الذي لا يتخلي أبدا عن برنيطته وعكازه، ولا يسمح لنفسه بالكف عن الانتقاد واثارة الجدل حوله، يعشق الرواية وكتابة القصة وابدع فيهما.. عشق الجزائر فتمرد علي حكامها بعد أن شارك في مختلف حروبها سواء ضد المستعمر أو ضد الجماعات المتطرفة المسلحة.

ولد الطاهر وطار في عام 1936 بمدينة 'سدراتة' الواقعة بأعالي منطقة الأوراس الشهيرة باحتضان جبالها لشرف اطلاق أول رصاصة في تاريخ ثورة التحرير، تلقي تعليمه الابتدائي في معهد 'عبدالحميد ابن باديس' بولاية 'قسنطينة' قبل أن يرحل الي تونس في عام 1952 ليواصل دراسته العليا في جامع الزيتونة غير أن فترة الحرب التي كانت تعيشها بلاده ­ آنذاك ­ أرغمته علي العودة الي وطنه في عام 1956 ليلتحق بحزب 'جبهة التحرير الوطني' ويجاهد في صفوفه الي جانب المناضلين لانتزاع الاستقلال وفي بداية الستينيات ساهم في وضع الاسس الاولي للدولة الجزائرية المستقلة، وأصبح عضوا فاعلا فيها، مما أتاح له فرصة الاشراف علي أول انتخابات في تاريخ بلاده خلال عام 1966 بولاية 'ورقلة' وقد واصل نشاطه مع الحزب الواحد حتي سلمه في عام 1983 ورقة طلاقه الاجباري من السياسة، ودفع به الي الارتماء في أحضان الادب والكتابة من جديد، ليقتنع أن القلم رفيقه والرواية هي حياته.

علاقة الطاهر وطار بالكتابة كانت متدرجة.. حيث بدأ بالقصة القصيرة وأبدع فيها فكتب 'دخان من قلبي' والشهداء يعودون هذا الاسبوع كما سجل حضوره في المسرح من خلال نص 'علي الضفة الاخري' و'الهارب' ليتوجه نحو عالم الرواية فكتب: اللاز، رمانة، الزلزال، الحوات، القصر، العشق والموت في الزمن الحراشي، تجربة في العشق، عرس بغل، الشمعة والدهاليز وأخيرا: الولي الطاهر يعود الي مقامه الزكي' غير أنه وفي السنوات الاخيرة شده الحنين من جديد الي القصة القصيرة فكتب 'مشيت في جنازتي ومشي الناس'.

سألته في البداية حياتك مملوءة بالتحدي والاختلاف منذ كتبت روايتك الشهيرة 'الزنجية والضابط' الي رسالتك التي ارسلتها الي وزير الثقافة المصري فاروق حسني تعترض فيها علي مؤتمر الثقافة العربية وتتهمه بان فكرة المؤتمر مستوحاة من خارطة الطريق.. ما الحكاية؟ أجابني ضاحكا: ماذا افعل في نفسي وقد خلقني الله هكذا.. عندما صدرت روايتي 'الزنجية والضابط' انتقدت فيها بشدة حكم الحزب الواحد والمؤسسة العسكرية وفي هذه الفترة كان الجيش والحزب مصنفين فيها ضمن قائمة المقدسات التي يستحيل المساس بها ولكن الرواية احدثت ضجة وسط النخبة السياسية والمثقفة الي درجة دفعت بالهاشمي هجرس المحافظ السياسي الاعلي الي كتابة اكثر من تقرير لكبار المسئولين في الدولة يحذرهم فيها من خطورة مضمون القصة وتهديدها للامن القومي، وفوق كل ذلك ادرجها مجلس الثورة ضمن جدول أعماله في احد الاجتماعات وناقشها بحذر غير أن أعضاءه فضلوا عدم تضخيم الامور حتي لا تأخذ القصة بعدا خطيرا قد يلفت الانتباه.. لذلك تم قرار عزلي من الحزب 'جبهة التحرير' وأحلت الي التقاعد المبكر!!

وهل كان هذا القرار سببا في هدوئك واستكانتك؟ يقول ضاحكا: لم يحدث وكما تقولون في مصر 'يموت الزمار'!! ففي عام 1973 كتبت مسرحية بعنوان 'الشهداء يعودون هذا الاسبوع' صاغها مسرحيا 'أمحمد بن قطاف' واخرجها 'زياني شريف عياد' ­ مدير المسرح القومي الآن ­ في نهاية الثمانينات، وكانت هذه المسرحية بمثابة الصفعة التي تلقاها الجهاز الحاكم لانها تعكس سلبيات النظام واستندت فيها علي الواقع حيث استلهمت موضوع النص خلال اشرافي علي انتخابات عام 1966 حيث كنت قياديا في جبهة التحرير الوطنية وسألت رفقائي من المسئولين: 'ماذا لو عاد الشهداء' فكانت اجابتهم استهزائية وردوا قائلين: اذا عاد الشهداء سنقبض عليهم ثم نقرر مصيرهم، بعد أن نتأكد من أفكارهم ومدي مطابقتها مع توجهات الجزائر المستقلة هذه الاجابات اعتبرتها خيانة في حق الشهداء وجاءتني فكرة كتابة رواية حول هذا الموضوع، نلت عنها جائزة 'التانيت الذهبي' لأيام قرطاج المسرحية بتونس. ويضيف: أما رسالتي للوزير فاروق حسني.. فكان سببها ألا نتجاهل وضعية عالمنا العربي بعد أن عدنا الي الاحتلال المباشر وعهد الاساءة المباشرة من طرف الامبريالية والاستعمار، لقد أصبحنا عرضة لان تكون دولنا صورة من نموذج العراق الذي صاغوه بالحديد والنار، ونحن ككتاب وأدباء وفنانين حساسون والمفروض أن نكون في طليعة هذه الامة بما يفرض علي من يخاطبنا وقت الانكسار مراعاة مشاعرنا لاسيما ونحن عاجزون عن السير بهذه الامة فكان يجب أن يراعوا توقيت المؤتمر.. خاصة أن مصر هي الدولة التي سيعقد بها ونحن نعرف ماذا تمثل مصر للعالم العربي.

واسأله محاولة استعادة ابتسامته التي اختفت: وماذا كان رد الفعل في مصر؟ يقول ضاحكا: لم يعرني أحد أي اهتمام كل ما فعلوه انهم نشروا أسماء المشاركين في جريدة 'أخبار الأدب' وسحبوا منها اسمي وكأنهم يقولون: لقد دعوناه ورفض المشاركة بدون سبب!!

في رأيك ما أخصب الفترات الثقافية في حياتك؟ يقول: نهاية الثمانينات.. حيث تزامنت مع تأسيس 'جمعية الجاحظية' وكانت برفقة عدد من المثقفين ابرزهم الراحل 'يوسف سبتي' وهذه الجمعية أثرت المجال الثقافي وساعدته علي مقاومة غدر التطرف في سنوات التسعينيات بعد انسحاب عدد كبير من الجمعيات الثقافية وهروب المثقفين الي الخارج بسبب خطر المجموعات المسلحة، وقد ساهمت الجمعية في مساعدة المواهب الشابة علي البروز وتفجير طاقاتها في عالم الادب، ولم يتوقف دورها عند هذا الحد، بل انشأنا جائزة مغاربية لتشجيع الشباب في مجال الشعر وأطلقنا عليها اسم شاعر الثورة ­ مفدي زكريا ­ وقد نجحنا في استقطاب عدد كبير من شعراء يمثلون دول المغرب العربي.

بمناسبة التهديدات والقتل الذي تعرض له عدد كبير من أصدقائك من المعروف عنك انك لم تحمل سلاحا، وتجوب شوارع العاصمة دون حراسة.. ألا تخاف من الموت؟ يقول: عرفت منذ فترة طويلة انني لست ضمن القوائم المعدة للموت لانه لا يوجد قتل جزافي، والذين قتلوا كانت لهم مواقف سياسية غير شرعية، أو استولوا علي مناصب في بلديات منتخبة حلت وحل مثقفون محلها كما حدث مع عبدالقادر علولة، الذي نصب رئيسا من مجلس ثقافة بلدية غير منتخبة هي 'وهران' فكان الموت متبادلا، ومن أول يوم كنت اعلم أن الموت يتم بقائمة وبسيناريو والصحفيون ­ رحم الله من مات منهم ­ حرضوا علي القتل وساروا مع السلطة، وحرضوا علي قتل الاسلاميين فكانت معركة بين طرفين وأنا اعتبرت عملية الغاء الانتخابات غير شرعية.. ربما اتخاذي هذا الموقف ساعد علي ابعادي عن كل قائمة، وأنا رجل عقلاني جدا ولي علاقات مع الاخوان المسلمين منذ السبعينيات في وقت كنت يساريا معروفا ولا ازال ، اليسار ليس عدوا للاسلام، نحن نقبل الآخر وندعوه لقبولنا، واذا لم يوافق وتمت تصفيتنا فهذا خطأ.. واليسار لا يعني رفض الآخر، كما أن الدين ظاهرة انسانية مادام الموت في الحياة لابد منه ومادمنا لم نكتشف.

لماذا نلاحظ أن الابداع في المغرب وتونس متقدم عن الابداع في الجزائر؟! هذا غير صحيح في العام الماضي جاءتنا قصائد من المغرب وتونس للمشاركة في المسابقة الشعرية لجمعية الجاحظية واحرجنا بشدة لاننا لم نجد قصائد علي مستوي القصائد في الجزائر.. ولقد فاز شعراء جزائريون بجائزة سعاد الصباح لسنتين متتاليتين علي مستوي العالم العربي، كما فاز في مجال النقد في مسابقة أردنية الناقد الجزائري ابراهيم صحراوي..

علي ذكر النقد هل تواجهون مشكلة؟ مشكلة النقد واحدة في العالم العربي لا يوجد نقد حقيقي بل يوجد نقد 'أرزقي'.

هل تعتقد أن هناك مؤامرة يتعرض لها الوطن العربي؟ يقول: للبشر قوانين تحكمها، القوي يأكل الضعيف وعلي الانسان أن يحمي نفسه، المسئولية تقع علينا، نعيش دورة تاريخية كنا متحضرين ومتطورين لكننا ضعفنا إننا اشبه بالمذنبات نسبح الا من رحم ربك.. لقد ضعنا وأصبنا بالبداوة، ومع ذلك انا متفائل بأن التاريخ يمشي للامام وسوف نستعيد قدراتنا يوما بيوم..