قراءة فى رواية شجرة اللبخ للأديبة عزة رشاد

هى رواية فى حاجة  للاحتشاد الكبير عند قراءتها بصبر وروية، فهى كثيرة الشخصيات والأحداث ومتداخلة الحكايات احتوت على قصص الحب والصراع والسيطرة والقسوة والقتل والخيانة والموت وتعددت مصائر شخصياتها فى ثلاثمائة وثلاث وخمسين صفحة من الفن السردى الفائق أنقسمت إلى أربعة عشر فصلا أو قسما كل قسم باسم شخصية من الرواية وذُكرت بعض الشخصيات فى أكثر من قسم مثل سعاد التى شغلت ثلاثة أقسام متفرقة من الرواية ولم تخصص لشخصية رضوان قسم خاص به رغم أنه هو محور الرواية وتدور كل الشخصيات فى فلكها بل هو شائع فى جميع أقسام الرواية وأكتملت شخصيته بنهاية الرواية .  
تدور الرواية فى قرية درب السوالمة وهى إحدى قرى الريف المصرى بالقرب من بلبيس محافظة الشرقية، وتدور حول شخصية رضوان بيه البلبيسى الذى يمتلك أكثر أراضيها عن جده نصر الدين البلبيسى صاحب الأطيان الواسعة بالقرية والذى استقدم شتلة شجرة اللبخ أو ذقن الباشا من خارج مصر واستزرعها فى المكان الذى مات فيه ابنه الطفل بضربة شمس وجعل بجانبها سبيلا للعابرين تكفيرا عن موته ومن هنا استمدت الرواية عنوانها شجرة اللبخ وجاء فى وصفها أنها شجرة ضخمة ذات فروع كثيرة وظل كثيف، لها عناقيد تشبه الذقن أواللحية ولها رائحة طيبة أزهارها  صفراء خضراء ، واستخدم الشيخ مبروك العشاب مسحوق بذور اللبخ لعلاج مرضى الحساسية والفطور والإلتهابات والإبراء من البرص والجذام بزيوت هذه البذور الثمينة ، فلشجرة اللبخ مسحة أسطورية وهذا يتضح عند محاولة دفن رضوان البلبيسى تحت الشجرة وبناء ضريح له فهاجم ثعبان البنَّاء وانتشرت أسراب النحل التى كانت فى جذع الشجرة لتهاجم البناء وتقتله ، ويطول التأويل فى تلك الشجرة الأسطورية والتى ربما تصلح أن تكون رمزا  لحقبة من التاريخ المصرى منذ الاحتلال العثمانى لمصر والذى جاء من آسيا وكذلك أُستقدمت شتلة الشجرة من إحدى دول آسيا .   
يبدأ مفتتح الرواية بمشهد وفاة رضوان بك وإشاعة أن نعشه طار واتجه إلى شجرة اللبخ واستقر هناك وأشاع إمام المسجد بإيعاز من خولى العزبة حسنين أنها كرامة لرضوان بيه وأنه ولى ويجب بناء ضريح له تحت شجرة اللبخ . كانت شخصية رضوان محور الرواية ودار فى فلكها عشر شخصيات رئيسية بالإضافة إلى الشخصيات الفرعية  فقد امتلك الثروة والسلطة واتسم بالقسوة والجبروت وعشق النساء حتى وصف بأنه زئر نساء وقد مات عاريا فى حضن عاهرة وإن تظاهر بالتدين، تزوج من ثلاث نساء صافيناز سليلة أحد رجال أسرة محمد على باشا لم تنجب له ولدا، وسعاد (ست البنات) وأنجبت له فارس وليلة الأرمينية التى انجب منها ليلى .
تبدأ الرواية بشخصية سعاد زوجة رضوان الثانية وهى فى عزاء زوجها رضوان مسترجعة حكايتها منذ أن كانت صبية سمراء ذات عينين عسليتين وشعر بنى كثيف ينادونها ب (ست البنات) ص19 تزوجها رضوان بك على زوجته الأولى صافيناز هانم سليلة أحد رجال محمد على باشا والتى كانت جميلة وذكية وشرسة ويجرى فى عروقها دم أناضولى وصاحبة فضل كبير عليه حيث مكنته من الحصول على لقب بيه بعلاقات أسرتها الواسعة، غير أنها لم تنجب له ولدا، فتزوج من سعاد وأنجبت له " فارس" والذى أقام مع أمه سعاد بسراية رضوان بك بشارع محمد على بالقاهرة  لتفاقم الخلاف بينها وبين ضرتها صافيناز هانم التى كانت تنظر إليها بإحتقار كفلاحة .
تعددت شخصيات الرواية كثيرا من رئيسية وفرعية وكان لكل شخصية حكاية فكانت بمثابة جزء من لوحة كبيرة لم تكتمل إلا بانتهاء الرواية ووضع كل شخصية مكانها فى تلك اللوحة الكبيرة ، لذلك فلابد من ذكر نبذة صغيرة عن بعض الشخصيات التى كونت حكاياتهم الحكاية الكلية الرواية :  فكانت شخصية رضوان البلبيسى هو محور الرواية ودار حولها الشخصيات الأخرى ، فبدأت الرواية بشخصية "سعاد" الزوجة الثانية لرضوان التى أنجبت له "فارس" ، و"صافيناز" الزوجة الأولى المتكبرة والمسيطرة عليه ، "شفاعة" وصيفة سعاد التى كانت تعيش معها بسراية رضوان بشارع محمد على بالقاهرة و"زبيدة" خادمة صافيناز هانم زوجة رضوان الأولى ، و"ليلة" الأرمينية زوجة رضوان الثالثة وقد آوتها وربتها "زينة" ملكة الغوازى والتى كان يتردد عليها رضوان فأعجب بها وتزوجها وانجب منها "ليلى" ، وحسنين خولى عزبة رضوان الذى أشاع طيران نعش رضوان وتوقفه أمام شجرة اللبخ وشرع فى إقامة مدفن وضريح لرضوان بعد وفاته رغبة فى استغلال ذلك الضريح لمصلحته ، و"مبارز" الذى قتله رضوان وابنه همام الذى سعى للثأر من رضوان ثم من ابنه فارس، و"متولى" الفنان الذى اتخذ من لعبة الأراجوز للسخرية من الملك والإنجليز ومواليهم من المصريين ، وقد تزوج من ليلى الأرمينية ابنة رضوان سرا بعد طلاقها من الضابط مدكور وخطفه ابنها والذى مات عقب ذلك بعد اطلاعه على رسائل لها كتبتها قبل الزواج إلى شخص رفضت الإفصاح عنه وغالبا كان همام بن مبارز، و"جميلة" الفقيرة بنت العجانة التى أحبها فارس ورفض أبوه وأمه بالزواج منها، "سوزان" البولندية التى تزوجها فارس أثناء وجوده بباريس ثم طلقها، و" قدرية" التى تزوجها فارس ثم احترق دارها أثناء تواجدها به وهكذا .  
الوصف :
اتسمت الرواية بجمال الوصف والتعبيرية عن خواص الشخصية ، فتصف صافيناز زوجة رضوان الأولى " ذكية وشرسة وجميلة يجرى فى أحد عروقها دم أناضولى يعود لجدها لأمها الذى تدعى أنه كان أحد رجال محمد على باشا ورثت عنه أنفا مرتفعا ونظرة متأففة"ص 14 ، كما تصف سعاد زوجة رضوان الثانية " صبية سمراء ذات عينين عسليتين ، وشعر بنى كثيف ينادونها بست البنات"ص10 ، ، كذلك مشهد رؤية رضوان لسعاد عندما تقدم لأسرتها "اندهشت عندما أحست بعينيه تنزلقان بعيدا عن وجهها.. إلى صدرها ثم استقر جل تركيزه عند بطنها"ص15 .
أشارت الرواية إلى أحداث تاريخية مصرية مثل أسرة محمد على باشا، الإحتلال الإنجليزى لمصر، ثورة 1919 ، دستور 1923، المظاهرات ضد الإحتلال الإنجليزى، كما أشارت إلى أحداث عالمية مثل احتلال الألمان لبولندا (حيث أشارت سوزان لواقعة اغتصابها من جنود ألمان) ، كما أشارت إلى اضطهاد الأرمن من تركيا حيث هربت ليلة الأرمينية مع ابنتها ليلى "أمها هجت بيها من تركيا لما العسس ولعوا فى ديارهم "ص41 ، كما أشارت إلى الوجه الحضارى لباريس وكذلك شخصيات فنية فيها مثل زيارته لباريس "منحته شوارع باريس وهواؤها وحرياتها ومقاهيها ومثقفوها.. أصغى إلى أشعار "بول فيرلين" و"ارثر رامبو" المتمردة يتلوها عشاقهما فى إحدى زوايا  مقهى "المونبارناس" ، كما شغف بثورة "بيكاسو" وبالعبقرية الغامضة "لموديليانى" وكان ذلك فى أوائل القرن العشرين فى الفترة من 1900 -1920 تقريبا كما تعرف على سوزان البولندية فى باريس حيث رأى فيها الوجه الإنسانى للحضارة الأوربية من إدمانها للقراءة وتقديرها للعلم وشغفها بالفن وهو يتجول معها فى متحف اللوفر وقصر فرساى وحديقة النباتات ثم بشغفها بمساجد مصر المحروسة وشبابيك أسبلتها وحماماتها عندما جاءت مصر.      
السرد وزاوية الرؤية :
اتسم السرد فى الرواية بالحداثة وعدم اتباع الطريقة التقليدية فى تسلسل سرد الأحداث فبدأت الرواية بنهاية الأحداث بوفاة رضوان تم استرجعت الماضى ثم العودة للحاضر وهكذا فى حركة ترددية مثل بندول الساعة مع كل شخصية فتشظى الزمن حيث كانت لكل شخصية زمانها، وحطمت تسسل الزمن الطبيعى حيث الماضى يعقبه الحاضر ثم المستقبل كما حطمت التسلسل الطبيعى للأحداث ، كذلك تعدد المكان من درب السوالمة بالشرقية إلى سراية رضوان بشارع محمد على بالقاهرة وباريس حيث سافر فارس إليها، الأناضول حيث رجال محمد على باشا ، وتركيا واضطهاد الأرمن وحرق ديارهم، وغزو الألمان لبولندا وإخضاعها، واتسم السرد بالمشهدية واتباع الأسلوب السينمائى فى الكتابة (عين الكاميرا) مثل مشهد ليلة زفاف سعاد الزوجة الثانية لرضوان حيث كان غاية فى الرقة والجمال لا تصفه سوى امرأة " لحظة انغلق عليهما الباب فى ليلة الزفاف، لكن مرحه ولطافته جعلاها تشعر بالألفة ، لن تنسى كيف اقترب رويدا رويدا حتى أحست ببذرة الحب تتفتق فى قلبها ليلة عرفت فيها الحب الناضج مكتملا وتمنت لو يكون كله مثلها "ص14 .
 أما زاوية الرؤية فأميل أنها لراوية وذلك للتعبير الأنثوى الرهيف فى مواضع لا تشعر بها إلا امرأة كمشهد زفاف سعاد زوجة رضوان السابق ذكره ، كذلك ملاحظة المرأة للتفاصيل الصغيرة التى تظهر على امرأة أخرى تشتهى زوجها رضوان ص87 ، كانت الراوية شاهدة عيان عليمة بكل شئ وليست شخصية بالرواية عبرت بضمير الغائب وأشترك معها صوت الشخصية بضمير الأنا وذلك بطريقة محدودة ، أتاحت تلك الزاوية للرؤية مجالا واسعا للكاتبة بالتعمق فى نفسية الشخصيات وكذلك التنقل بين مستويات زمانية ومكانية مختلفة ومتباعدة .
اللغة :
كانت اللغة فى السرد لغة فنية بالعربية الفصحى البسيطة وكانت فى بعض المواضع تتماس مع اللغة الشعرية مثل "ولم يتصور أن سوزان ستصمد معه عاما كاملا، يعود بعده لحب جميلة كأن هذا العام لم يكن كأنه تلاشى مع نظرة واحدة لعينيها اللتين تتحدثان دون صوت، جميلة التى كان مع كل رمشة أو لفتة يشعر بقلبه يرفرف فى صدره مرددا أنها امرأة حلمه وحلم حياته "ص159  ، أما الحوار فكان باللهجة العامية ومعبرا عن صوت الشخصية وثقافتها مثل الحوار بين فارس وجميلة وشفاعة :
-  سيد طلب ايدى وقرينا الفاتحة
-  سيد مين؟ سيد النجار!؟! مصدوما صاح
- صاحبك ماأخدش لقمة من بقك يا فارس . ده إنت اللي سايبها. زعلان منه ليه؟ زعلان منها ليه؟ كنت عايزها تعنس بعد ما سافرت ولا بعد ما رجعت وفى ايدك سوزان ! عجايب والله ! تقول شفاعة مستنكرة غضبه .
  فهناك فروق لغوية تعبر عن ثقافة والمستوى الاجتماعى لشخصية  فارس وجميلة وشفاعة وصيفة أمه ، ويلاحظ فى هذا المثال السابق تقدم المقول عن القائل فى (مصدوما صاح) وفى (تقول شفاعة مستنكرة غضبه)، وهى سمة فى اللغات الأجنبية وبعض المترجمات إلى اللغة العربية فيأتى المقول أولا ثم بعده القائل ، أما فى اللغة العربية فيأتى ذكرالقائل أولا ثم بعده المقول، كما استخدمت عبارات عامية قامت بتفصيحها مثل "لعب الفأر فى عبها"ص 250.
خاتمة الرواية :
انتهت الرواية بوفاة رضوان مديونا لزوجته الأولى صافيناز حيث باع لها جميع أملاكه بعد أن خسر أمواله فى لعب القمار فحُرمت زوجته الثانية سعاد وابنها فارس من أملاك أبيه ومن الإقامة فى السراية بشارع محمد على بالقاهرة وهى نهاية ربما مفتعلة قليلا حيث لم يرد فى الرواية ثمة إشارة إلى أنه كان يلعب القمارإلا فى هذه الجملة الأخيرة، كذلك انتهت بقتل الضابط مدكور لهمام بعد أن افتدى صديقه متولى من الموت فى الوقت الذى دخل فارس فصوب طلقة نحو الضابط مدكور فقتله .
 ثم أعقب هذة النهاية فصل بعنوان هل من خاتمة، ذكرت فيه الراوية انبعاث رائحة كريهة دائمة من المقام تحت شجرة اللبخ وتشككت فى ما حدث فى الدرب من حكايات وذكريات تداخلت بعضها ببعض وشاب أغلبها اختلاط  الحقيقة بالخيال والممكن بالمستحيل وأن البيه الذى تحدث عنه البعض ليس هو البيه الذى تحدث عنه أخرون وأن هناك دروب اللبخ  كثيرة فى هذه المنطقة، وهى خاتمة تدفع للتساؤل ماذا تريد الكاتبة من تلك الخاتمة ، أرجح أن درب السوالمة يرمز إلى مصر وإلى تاريخها الطويل الذى اختلط فيه الحقيقة بالخيال وأن تلك الرائحة الكريهة هى فترة الاستعمار الذى تسلط على البلاد وأعوانه من المصريين المتعاونين معه والحكم الفاسد .
رغم كثرة الشخصيات بالرواية وتقاطعها وكثرة الأحداث وتداخلها إلا أن الكاتبة بمهارة فائقة وبمقدرتها الفنية السردية استطاعت أن تحافظ على تماسك البناء الفنى والسردى للرواية دون أن يشوبها أدنى اهتزاز أو إختلال، فأنتجت تلك الرواية الفنية الفائقة الجمال .