رواية “حكاية جارية” للكاتبة الكندية مارغريت أتوود من جلئاد الى داعش

رواية “حكاية جارية” ليست جديدة. أصدرت للمرة الأولى سنة١٩٨٥ للكاتبة الكندية مارغريت أتوود، وسرعان ما صارت الرواية رمزا وتحذيرا مهما في استخدامات الأبحاث النسوية سواء بالنقد او التحفيز.

الملفت ان الرواية التي صدرت سنة ١٩٨٥، ولم يكن مصادفة ربطها برواية ١٩٨٤ لجورج اورويل التي كتبت قبلها بأربعة عقود تقريبا. وحديثا بعد ما يقرب الاربعة عقود أخرى تم ترجمة الرواية للعربية.

في تصنيفات ما يسمي بالديستوبيا بالأدب الروائي- أي حالة متخيلة لمجتمع يعيش في مآسي مهولة وظلم مستفحل ما بعد حالة دمار عالمي مدوي.

في حكاية جارية، تسقط الولايات المتحدة بعد انقلاب مجموعة “توراتية” سياسية دينية متشددة تحت سيطرة المتدينين تنتمي الى “جاكوب” وتسمي نفسها جلئاد. تستمد معايير حكمها من مقاطع من “العهد القديم” كأساس الحكم الإلهي السامي. ليعيش العالم في ظلمات كبيرة، يكون ضحيتها المرأة.

محاولة اتوود في هذه الرواية إعادة تصنيع الدستوبيا التي خلقها اورويل في ١٩٨٤ من خلال رواية نسائية تأخذ ابعاد مشاعر ورؤية المرأة وتأثير هكذا احداث عليها من خلالها لا من خلال تصور الرجل، تبدو أكثر رعبا في تفاصيلها من الحكم الدكتاتوري المطلق الذي وصفه اورويل في رصد القمع والتحكم في كل حركة ونفس يأخذه البشر في مدينته، وتحويل الناس الى آلات بشرية يحكم بها “الأخ الكبير”

في “جلئاد”، تعيد اتوود تصورا مستقبليا لفترة توراتية التأثر تستخدم تحديدا للتحكم الذكوري السلطوي وتكريس الأنثى في كل مقوماتها ودرجاتها، في إعادة لقصة “جاكوب ورحيل” اللذان استخدما الخادمات على حسب الرواية التوراتية المستخدمة في القصة من أجل ان يرزقا بالأطفال.  تمنع النساء في “حكاية جارية” من الذهاب الى المدارس والجامعات. تمنع كذلك من انشاء حساب بنكي او بطاقات، وتمنع من التجول في الماكن العامة الا من أماكن مخصصة لها. ترتدي النساء زيا مخصصا بلون محدد ترمز لمراتبهن من زوجات او خادمات او راعيات وغيرها. ويصبح الانجاب نادرا، ويكون الامل الوحيد للأنثى في حياة لا ترسلها الى المستعمرات لتنظيف من النفايات الاشعاعية.

“الجارية” والتي نعلم لاحقا وفي مرحلة ما في الرواية اسمها “اوفريد” كانت قد عاشت الحياة ما قبل الانقلاب وتم القبض عليها وزوجها في محاولة الهروب الى كندا، وتم اخذها كجارية للعقيد لأنها “خصبة”. تتذكر “اوفريد” (واسم اوفريد ليس اسمها الحقيقي ولكنه الاسم الذي اعطي لها، بمعنى اوف – فريد- أي الخاصة بفريد، ويمكن كذلك فهم الاسم بأنه مشتق من (اوفريد) أي تم منحها. اسمها الحقيقي صار ممنوعا تداوله) او تحاول الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة سابقة لها قبل الانقلاب. فتتذكر أيام الجامعة والعمل. تذكر القارئ كذلك كيف تحولت هذه الأماكن الان لمراكز اشبه بمراكز الاعتقال والتعذيب. تتذكر كذلك أمها التي رأتها في أحد المشاهد المصورة التي استخدمتها زوجة صاحب المنزل “القائد” سيرينا جونز لترهيب النساء العاملات لديها من مغبة المصير ومن سوداوية الحياة وظلاميتها قبل الثورة ومصير من قاوم من النساء. اسمها الجديد الذي تم منحه لها تعتبره كرقم الهاتف، لا يحتاج الا المتصل، اما صاحبه فلا يعنيه كثيرا.

السرد مليء بالأحداث التي تعايشها الجارية من يوميات مرعبة في وصفها. كيف تتحول الممارسات الأكثر قسوة والأكثر رفضا للمبادئ الإنسانية الأساسية كطقس عادي لكل من يحيط بدائرة السيطرة المحكمة، وبالتالي تشكل المرأة فيها جزء من المنظومة المتكاملة للتحكم من جهة، إذا ما كانت جزء من سيادة النظام القمعي، كأن تكون “الزوجة” وبالتالي عليها تهيئة كل الأجواء من اجل ان تنجب الجارية ابنا لزوجها، تتشارك معها في الطقس الاسبوعي الجنسي مع زوجها لتتأكد ان المشاعر لا تتحرك من قبل الجارية او الزوج مهما حدث. في تعبير قوي تصف اوفريد وضعية الطقس الجنسي من برود مشاعر تضع فيه كل من يتواجد بالغرفة مكان الضحية. هي، الجارية التي يتم ممارسة الفعل الجنسي معها، بموافقتها من جهة، فلا تستطيع ان تسمي ما يجري اجبارا ولا اغتصابا. ممارسة ماكينية من قبل الرجل وكأنه مجبر عليها كفعل واجب عليه الانتهاء منه بلا أي تأثر او عاطفة. والزوجة التي تجلس تراقب الموقف تحسبا من أي خلل او خطأ سيؤدي بطبيعة الحال الى نهاية مأساوية للجارية ترمي بها الى “المستعمرة”. إذا ما حملت الجارية يسمح لها بتربية ابنها لوقت ما، لان النظام الجديد يؤمن بأهمية الرضاعة الطبيعية. المرأة “الخصبة” تستمر في الحياة في ذلك البيت لطالما هناك إمكانية لها بالإنجاب. تصنف النساء على حسب وضعهن، من زوجة، لا-امرأة، عاهرة، … يسمح للجارية بممارسة أعباء محدودة هي كذلك ما يعتبر حقوقها، فهي تذهب للتسوق لشراء حاجيات الزوجة، ويسمح لها ممارسة الجنس مع الزوج، ويسمح لها بالرضاعة والمكوث حول الوليد لوقت محدد. القراءة ممنوعة، والمجلات لم تعد موجودة ولا الكتب. جيل جديد سيكون بلا ذاكرة الا من تلك التي انتجتها الثورة الدينية الجديدة في “جلئاد”. فكل مظاهر الكفر القديم من تعليم وكتب ومجلات لن يشكل تهديدا لجيل لا يعرف ما هي القراءة. المتداول فقط أفلام اباحية محددة، ومقاطع لأحداث من زمن الثورة تصور مصير من يعترض على الحكم الجديد للكنيسة من خلال جرائم بشعة ترتكب بحق المعارضين تجعل من يراها يعتبر من مغبة محاولة المعارضة للحكم.

المؤلم في واقعية الرواية عندما يقرأها المرء اليوم، وبعد أربعة عقود من قراءتها، ليرى ان ما تم التنبؤ به من التغير المناخي امرا واقعا، والتزمت الدني الذي يسيطر على الكثير من الحكومات اخذ بالتزايد.

في أمريكا نفسها، ممكن رؤية حكم ترامب والمسيحية المتزمتة من معتقدات رجعية ومتطرفة تبني تعاليمها العنصرية والاستقصائية والمليئة بالكراهية لأي جنس غير مصطفى باللون الأبيض عبدا في أحسن احواله، مكرسا لخدمته فقط.

ولكن، اتخيل لو انتظرت اتوود حتى يأتي يوم وتظهر فيه دولة كداعش، هل كانت ستفكر بتزمت التعاليم المسيحية كمثال لقصتها؟ ام هل لشخص مثلي ان يتخيل إمكانية ظهور داعش كتحقيق لديستوبيا اتوود في تجلي كامل لخيال اتوود الأبيض الجنس واللون؟

وبعيدا عن داعش، وفي مكان أقرب لنا، حيث تتجلى كذلك الفكرة الأولى ربما للكاتبة كنسوية بارزة، ما نراه اليوم في فلسطين من تصدي مفزع لاتفاقية سيداو، لا يسع المرء الا ان يفكر كيف رجع بنا الزمن الى التخلف بدلا من ان يأخذنا نحو التطور الإنساني الذي يعطي للإنسان أهمية تليق بإنسانيته.

عندما نقرأ هكذا روايات، من المفترض ان تكون بعيدة عن الحقيقة، في رسالة واضحة واكيدة للتحذير من مغبة غياب العدل وازدياد الظلم وتفشي الفقر والفساد. نرى انفسنا نغوص وسط الحقيقة المرعبة التي تتعدى بقبحها خيال الكاتب. نرى نفسنا نعيش محاذير كنا نظنها من صنع خيال مبدع، لنرى انفسنا نحارب كأوفرد أحيانا ، وكسيرينا جونز آحيانا ، وكشخصيات الرواية الأخرى من اجل الحفاظ فقط على ما نحظى به من مزايا في حواف الحياة الممنوحة لنا ، سواء كنا اوفرد او سيرينا جونز