خسوف الإسماعيلية "لخالد مطاوع" و الرقص علي إيقاعين مختلفين

فريد أبو سعده
الحياة - 14 أبريل 2006

صدر ديوان "خسوف الإسماعيليه" للشاعر الليبي خالد المطاوع بالإنجليزية عام 1996 عن دارsheep meadow press بنيويورك ثم عكف الشاعرعلى ترجمته إلى العربية وصدر مؤخرا عن دار شرقيات بالقاهرة.

يقول خالد "من النادر أن تسنح الفرصة لشاعر أن يعيد كتابة شعره .. وقد ارتأيت أنه ليس لزاما على أن أكون أمينا أو حرفيا وأن أستغل هذه الفرصة لتقوية نوعية النص . ولكن كان من المهم أيضا أن تصل القصائد إلى القاريء فى شكل قريب من لحظة كتابتها ، ولذا توجب الأمر الإصغاء إلى الإيقاعات العاطفية لكلا اللغتين المضمنتين فى القصائد والأنماط المختلفة التى تحكم موسيقيتهما وموسيقية أنماطهما الفكرية ، ربما يمكننا تشبيه ذلك بمحاولة الرقص على ايقاعين مختلفين فى نفس الوقت"!!

فالشاعر العربى بداخله يقول "جثث جاموس تطفو على القنوات / والقنوات يخنقها ورد النيل / قوارب القمح ذات الكروش البارزة / غائرة فى الطمى / ثمة ولد نائم على سطح المركب / يتوالى الذباب على وجهه النحيف".. ويقول"سليمه حكت لنا عن أبيها والغزلان / وهى جالسة فى حوض الحمام / بالصابون دعكت أمى شعر تلك الفتاة / ثم صبت الكاز على شعر سليمة حتى نزل القمل إلى خديها / ومشطت شعرها حتى امتلأت أسنان المشط بالأموات".

أما الشاعرالأمريكى خالد المطاوع فيقول فى (قصيدة لكتالوج محلات سيرس): "تخيلت أننى ذاهب فى رحلة مع صاحبة العينين الزرقاوين وأننا نقيم داخل خيمة "كولمان" سعرها 42 دولار ونصطاد السمك فى بحيرة لابعوض فيها، مقلعين بالزورق المصور فى الصفحة 613 ثم نرجع لنشاهد مسلسلنا المفضل فى تليفزيوننا الملون 27 بوصة ذى الصندوق الماهوجنى ، ثم نخرج بعدها منطلقين على دراجاتنا النارية الليمونية اللون عبر أحراش وغابات قبل أن نعود إلى بيتنا الواسع ذى ال 4 غرف لنمارس الحب على فراش النوم المصور فى الصفحة 1219".

هكذا يحاول أن يحل إشكالية أن يكون شاعرا عربيا وأمريكيا فى آن..

"لايمكننى أن أكتب عن ذكرى دون أن أجعل منها جزءا من مخيلتى ، أو أكتب عن تاريخ أو علاقة بمكان دون خبرات تتصل بهذه العلاقة مع التاريخ و المكان ، ومادامت هذه المكونات عربية ومادمت عربيا فأنا شاعر عربى !

ويستطرد : لم أشعر أبدا أن اللغة الانجليزية كانت عائقا عن التعبير أو انها اضطرتنى لأن أقول غير ما أقصد، وأتخيل أن هذه العلاقة باللغة الانجليزية فى صيغتها الأمريكية تجعل منى شاعرا أمريكيا ( يجب أن نلاحظ أن ديوانيه خسوف الاسماعيلية وفلك الأصداء قد فازا بجوائز أمريكية).

أول ما يبدهنا فى قصائد الديوان هو الحضور الطاغى للمكان، ففضلا عن أمريكا وليبيا يتمدد المكان ويتنوع صانعا أقواسا من تبريز إلى تونس ومن أثينا واسطنبول إلى الهند مرورا بأربيل وبغداد والكويت ومن حضرموت واليمن إلى القاهرة مرورا بمكة والإسماعيلية ومن موسكو إلى أم درمان مرورا بالسلوم والأقصر وأسوان. هذا التنوع فى المكان خصيصة مصاحبة لسؤال الهوية، السؤال الذى هو همّ القصائد ونسغها الإنسانى..

"شفتاى جاءتا مع قافلة للعبيد كان يملكها السنوسى الأكبر/ فى عام 1531 جاء الأتراك بأنفى / أما شعرى فيعود إلى احدى جوارى سبتموس سيفيروس ) الديوان مؤرق بالهوية (يلمس أبى بطيخة ويطبطب عليها / وعندما أرفعها إلى كتفى يقول: أحد عشر عاما فى أمريكا ولازلت تحمل البطيخة مثل أى فلاح ؟) والشاعر يصرخ (أعيش هنا ولكنى مستقر فى كل مكان ) ويقول فى قصيدة أخرى ( ماذا أصنع بهذا المكان ؟ / الماضى يظهر فجأة مقنّعا بحلم يقظة / كعلبة الكبريت التى أحتفظ بها / من مطعم فى ضواحى ويتشاتا / و الحاضر الذى لايوحى إلا بالحيرة / والتذكارات الحزينة".

هكذ كأنه مزروع فى اللحظة التى قال عنها بورخيس "لست متأكدا من أننى موجود، الواقع أننى أنا كل الكتاب الذين قرأت لهم، كل الناس الذين قابلتهم، كل النساء اللواتى أحببتهن، كل المدن التى زرتها، كل أسلافى".