حوار دكتورة اشراقة مصطفى حامد

تؤمن بأهمية التشبيك كثقافة أساسية في المجتمعات الاوربية ، وهى ناشطة في حركات المهاجرات والسود فى النمسا
الاديبة والسفيرة السودانية / الدكتورة اشراقة مصطفى حامد
الختان اولى واخطر محطات التحول فى حياتى
 قلمي نصير المقهورات والمقهوريين اينما كانوا
شجرة تبلدى مغروسة فى السودان ومدت فروعها للعالم
مندي غرس عم الزبير في فيافي طفولتي
 بدأت مندي تشق طريقها تشرق شموسها من فيينا برؤى عالمية

حوار فاتن محمد على

 وصِفَتْ بالجسر الذى يربط مشارق الارض ومغاربها ، ووصفت بأنثى الانهار (النيل حيث جذورها) و(الدانوب حيث اقامتها) .. وهى اديبة بدرجة سفيرة ، وحقوقية بدرجة مناضلة .. ..انها الاديبة الشاعرة الحقوقية السودانية  وسفيرة فوق العادة  للثقافة بالمجان/ الدكتورة اشراقة مصطفى ..فهى ليست اشراقة واحدة بل عدة اشراقات تضئ  لمن حولها وتأخذ بيد كل مهاجر ومهاجرة عابري سبيل الضياع..هاجرت الى النمسا ، وتركت قلبها فى مسقط رأسها بالسودان ، تؤمن بأن الادب عابر للحدود  ، وبالدور الذى يلعبه  في التقارب بين الشعوب والانفتاح على الآخر، وإيجاد بيئة جاذبة للتلاقح الفكري والثقافي، لذا تبنت اكثر من مشروع ادبى وثقافى ..رئيسة للجنة الأدبية بالبيت العربي النمساوي للثقافة والفنون ..حصلت على العديد من الجوائز تقديرا لنشاطاتها.
وفى حوارنا معها حاولنا التعرف على بعض ملامح مسيرتها الادبية والحقوقية ..وهى نقطة فى بحر انجازاتها ، فهى صاحبة سيرة ومسيرة حافلة لا يكفى لتغطيتها العديد من الحوارات.
نلتقى الاديبة ونسألها فى البداية
عن محطات فى حياتها ، واهم تلك المحطات التى كانت نقطة تحول ..سألتها:
 
لو تصورنا ان الحياة قطار وان مراحل حياتنا محطات ..فهل لنا ان نتعرف على اهم تلك المحطات ؟ وما المحطات التى تعد نقاط تحول فى حياتك؟
 
-مرحلة الطفولة وإكتشاف العوالم الأولى كانت متميزة  خاصة بتدليل ابي لي اذ كنت الكبرى ونلت حظا وافرا من الاهتمام الأسري.  اولى محطات التحول في حياتي بدأ في عمر ستة اعوام بتعرضي لتلك العادة التي ورائها ما ورائها – الختان- والتي كان أبي ضدها من هنا بدأت اسئلتي الاولى والتي تعمقت منذ بدأت اقرأ واسبر اغوار المعرفة التي لا غرار لها.
يمر العمر بمحطات ومنعطفات فيها الكثير من المطبات ولكل محطة حكاياتها وفصولها التي احتفي بها فرحا او حزنا. هل هناك من يحتفي بحزنه؟ انا منهم..محطة النمسا مهمة جدا في حياتي، اذ فيها انطلقت خيولي ومهراتي مقاومة كل ما اعترض طريق اثبات الذات بتحقيق الهدف الذي عزمت عليه وهو النهل من المعارف والدراسات العليا.  أهمية هذه المحطة تتجلى في اني صرت اما. الأمومة محطة مهمة جدا في حياتي.  محطات النجاح والاخفاقات التي لولاها لما عرفت سر الانتصار. محطاتي في السودان لعبت دورا كبيرا اذ انها مهدت لي الطريق لانتصر.
#العنف ضد النساء والفتيات مشكلة ذات أبعاد جائحة. فهناك امرأة واحدة على الأقل من كل ثلاث نساء في جميع أنحاء العالم تتعرض للضرب، أو الإكراه على ممارسة الجنس، أو إساءة المعاملة أثناء حياتها مع المعتدي والذي يكون شخص معروفا لها ..وفى هذا السياق هناك قضية بالغة الخطورة تخص فتاة سودانية تدعى نورا حسين ..كان لك دورا مهما فى الدفاع عنها ..ما تعليقك ؟ وهل منظمات الحقوق ضد العنف استطاعت القضاء او على الاقل التخفيف من ممارسات العنف ضد النساء؟

-منذ ولوجي الى فضاءات العمل العام  ولم اتجاوز بعد الثامنة عشر من عمري وعيت ان دوري ان امشي على دروب المناضلات والمناضلين ضد العنف الممارس تجاه الانسان وخاصة النساء. نورا لم تكن الأولى و من المحزن لن تكون الاخيرة. قلمي نصير المقهورات والمقهوريين اينما كانوا. اينما سمعت صرخة أمرأة تكون حبال حنجرتي صدى قوي لغضبها وحزنها. قلمي يصمد بالدفاع عن النساء ضحايا العنف بكل انواعه. قضية نورا قضية قديمة وانتصرت بسبب التضامن المحلي والعالمي الذي وجدته قضيتها العادلة وهي لا تختلف من قضايا العنف الاخرى التي تعاني منها العديد من النساء.

ماذا عن التشبيك وانت مولعة به؟ هل لنا التعرف بأختصار ، على اهم مشروعاتك فى هذا السياق ، وانت لكِ العديد من المشروعات الادبية والانسانية؟

 التشبيك يحتاج إلى سعة أفق، إلى قدرة على قبول الآخر والبحث عن المشترك من احلام وأفكار وبلورتها على أرض الواقع
التشبيك مُلهم للاعتراف بالتنوع والتحفيز على إدارته، يملكنا مفاتيح للاستفادة من تراكم خبراتنا. ساعد تنوع هوياتي، كسودانية من القارة الافريقية، كامرأة، كمسلمة، لغتي الأم العربية التي احب وانتمي لحركة السود في النمسا وفي العالم ككاتبة وكمترجمة وكناشطة تجمعني فضاءات متنوعة مع عدد من المنظمات والمنابر جعلني اتلمس قدرة العناكب على التشبيك.
العالم الغير متوازن في ثروته وسلطته تحول الي قرية صغيرة أهم مافيها هى القدرة على الحوار ودور التشبيك في اتساع مداركنا ومعارفنا. المعرفة قوة ولها سلطة مؤثرة في ادراك قيمة ذلك وترسخت قناعتي بهذه القيمة ومسئوليتها حين سمعت مبررات نيلي في 1998 لجائزة الحركة النسائية الكاثوليكية للمرأة الفاعلة بالنمسا ( بها لوعة للتشبيك)... ومن يومها واعشق هذه الكلمات... لوعة التشبيك.
أهمية التشبيك كثقافة أساسية في المجتمعات الأوربية ويقوم هنا وفقا على النظام الاجتماعي في النمسا ومع ذلك لا يمكنني في هذا السياق تجاهل تأملاتي الصغيرة على قدرة العناكب في نسج خيوطها بمهارة عجيبة، هي التي فتحت آفاقي لتشبيك الناشطات والنشطاء من مجالات مختلفة، صورة نساء الحي الذي تكونت فيه خبراتي الأولى وهن يتجمعن لاحتساء القهوة ويتفاكرن في الكثير من الهموم الحياتية إضافة الى القدرات التنظيمية الأولى في صفوف الحركة الطلابية والنسوية في السودان. بهذا المعين المسنود على المحبة جئت الى العاصمة النمساوية فيينا في العام 1993 هذا التنوع فتح لي منافذ لألج فضاءات لم يكن  سهلا لولا قوة الإرادة والصمود لتحقيق الهدف الى المبادرة بتنظيم النساء وكونت مع اخريات أول منظمة تعني بقضايا النساء الافريقيات المهاجرات/ كباحثة سعيت لتناول قضايا تهم المرأة المهاجرة عموما وإبراز دورها والمساهمة في تعزيز وجودها. ككاتبة بادرت بتكوين (منبر أدب وهجرة بلاحدود) ومن خلال اختياري (ممثلة للأدب العربي بالقلم النمساوي) تفتق جرح الآخر وأزهر بالحوارات حول العديد من القضايا العالمية. كما ان دوري كرئيسة للجنة الأدبية بالبيت العربي النمساوي للثقافة والفنون تمثل في تشبيك الكتاب والكاتبات العرب والذين يكتبون بالعربية مع مؤسسة عريقة كالقلم النمساوي والتعاون في بعض المشاريع المتشابكة ضمن مهامي الطوعية وكسب القلم عضوية جديدة وترجمت بعض النصوص لبعض الكتابات والكتاب العرب الى الألمانية ونشرت في أنطولوجيات مختلفة المشاركة أيضا بالقراءة والاسهام في مشاريع بادرت بها على سبيل المثال (قصائد للأرض) والتي تتناول قضايا البيئة وعلاقتنا عبر كل اشكال الابداع مع الطبيعة وحمايتها. ورشة عمل في إطار تحولات المناخ قدمتها متخصصة في هذا الشأن الشيء الذي يبرز دورنا كمهاجرات ومهاجرين في مواكبة القضايا التي تشغل العالم. لم يقتصر نشاطي في هذا الشأن فقط على النمسا وانما تجاوزه لتشبيك بلاد أخرى عبر مشاركاتي في مؤتمرات وورش عمل مرتبطة بمواضيع مختلفة وأيضا المبادرة وتنسيق مشاريع أدبية مثل مشروع (سيمفونية الربع الخالي) وشمل على ترجمة لأشعار من سلطنة عمان والامارات  وبالتعاون مع اتحاد الأدباء بسلطنة عمان والشاعرة الأماراتية كلثم عبدالله وفي عام لاحق ترجمة (لؤلؤة الدانوب، نماذج من الادب النمساوي) وتبادل زيارات في إطار برنامج ثقافي متكامل شارك فيه ادبيات وادباء نمساويون وعرب. اضيف باني أجد متعة وجدانية غامرة حين أكون سببا في تشبيك الناس مع بعضها بمحبة وهذا ينطلق من شعاري بان الانسان هو مشروعي أينما وكيفما كان، شجرة تبلدي مغروسة في السودان ومدت فروعها لكل العالم، انها الكونية التي أؤسس لها عبر نشاطاتي المختلفة.
الواقع بأن لا سبيل لنصرة قضايانا دون اعترافنا بالتنوع طريقا للتشبيك وتعزيز وجودنا. التشبيك طريقنا للاعتراف بقدراتنا المختلفة واستثمارها لتحقيق شرط انسانيتنا "كلمات تنطلق من ايمان حقيقى وفعلي.

 مندي فعل حقيقي سوف نغرس ثمارها في كل العالم ..سننهض معا ؛؛حفيداتها واحفادها نحو الإنسان والإنسانية ومعا نكتب تاريخها، تاريخنا الذي يليق بتنوع تلك البلاد
هل لنا ان نتعرف على  شخصية مندى ؟ وهل هى شخصية تاريخية مثل حتشبسوت
 لدينا ، ام انها شخصية اسطورية ؟ وما اهم اهداف (شبكة فنون بنات مندى)وهى احدث مشاريعك الثقافية؟

الحكاية بدأت من انهمارات ذاكرة العم الزبير خميس منذ ان كنت طفلة شغوفة بحكاياته وقصصه التي شحذت خيالي الصغير، كان ذلك في بداية السبيعنات من القرن الماضي.
 لم يفصل بين بيتهم وبيتنا سوى حائط صغير يمكن القفز عليه بسهولة لأجد نفسي بجسمي الصغير بالقرب منه في انتظار حكاية اليوم
حكى لي عن ( الجبال) وعن موطنه الأول ( ام حيطان) ضمن هذه الحكايات كانت الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا. امرإة جامحة خيولها التي كانت تركض في دروس المطالعة باحثة عن اثرها العظيم. مريم الشجاعة والبنت الباسلة في تلك الدروس تبحثان عنها مثلما فعلت منذ تلك الأزمنة البعيدة.
 تعودت ان أجلس بجواره واستمتع لحكاياته التي منها تشكلت خيالاتي وصوري الذهنية عن امرأة سودانية جسورة غفل عنها تاريخنا مع (سبق الإصرار والترصد)
كنت أراها في وجوه نساء الحي، أراها محفزة وراسخة أقدامها على الأرض التي حاربت الاستعمار البريطاني لأجلها. رأيتها قادمة نحوي حين رفعت قدمي الصغيرة لاضرب على الأرض في بدايات تعلمي لرقصات الجبال التي تجيد الحكي وتحفظ التاريخ كاعظم الكنوز.
لكل هذا لم يكن مولد ( فنون بنات مندي) صدفة.... وهل من صدفة لاتكن مندي مدبرتها؟
في الرابع من أكتوبر 2020 كانت اول حلقات فنون بنات مندي ، وتطورت الفكرة تبلورت وكسبت فضاءات من
 الأحلام والمشاريع المشتركة. ليس من فكرة تنهض اشجارها وتقفز سناجبها ان لم تجد السند وقد كان.
بدأت مندي تشق طريقها
تشرق شموسها من فيينا برؤى عالمية
تجد السند من حفيداتها المؤمنات يتبرعم اشواك الفكرة واحفادها القابضين على جمر الريح.
مندي غرس عم الزبير في فيافي طفولتي
شجرة تكبر بخصوبة الأفكار التي لا تكف مستثمرة كل خبراتي في العمل العام في النمسا لتكون مندي نبعا للصمود والجسارة وهي تحارب ضد المستعمر متحملة العطش ليكون لنا ماء من خلق الحياة... مندي تميمتي التي سأمضي بيها مطمئنة نحو كل البيوت المنسية.
أول من دعم مشروعي الاستاذ اسامة ادريس من المجموعة الإقليمية للاستشارات والتدريب.... حققنا اول أهدافنا المشتركة في التشبيك والشراكة وإدارة التنوع.

حصلتِ على العديد من الجوائز والمنح ، وكان اخيرها منحك  الميدالية الذهبية من دولة النمسا ، تقديراً لدورك الفاعل في البلاد.. فماذا تعبر  هذه الجائزة  لك وفى مشوارك الحافل؟
 
تعاظمت مسؤوليتي ومخاوفي منذ حصولي على جائزة المرأة الفاعلة من الحركة النسائية الكاثوليكية، الخوف ان اتقاعس عن هذا الولع
هذه الجائزة كانت بمثابة تحفيز لاصدر اول مجموعة شعرية لي باللغة الالمانية في 2003 وكان من ضمن خمسة عشر كتابا تم تمييزهم بحافز من مجلس الوزراء النمساوي قسم الآداب.
  (ومع ذلك أغني) والذي اجرت فيه طالبة استرالية مشروع تخرجها ببحث عن ادب المهجر بالنمسا واخذتني كنموذج. بعدها توالت الجوائز مثل جائزة التمييز الاكاديمي التي تمنحها وزارة التربية الاتحادية وجائزة الاعتراف من حكومة مقاطعة لينز النمساوية ثم سفيرة فوق العادة للثقافة بالمجان من مؤسسة ناجي نعمان الأدبية بدولة لبنان وغيرها الى ان توجت كل الجوائز بمنحي للميدالية الذهبية كاعلى جائزة تمنحها حكومة العاصمة النمساوية فيينا في العام 2020...الجوائز ورطة لذيذة.

تتلخص أهداف الترجمة في الوطن العربي في التأكيد على وحدة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن حاجات العصر، وإدخال هذه اللغة في قائمة اللغات العالمية المعتمدة دوليًّا ..كيف ترىن حركة الترجمة فى الوطن العربى ؟ وانتِ لكِ باع فى حركة الترجمة من الالمانية للعرببة  وبالعكس؟
أي حركة ترجمة تتطلب وعيا بضرورة الانفتاح على الآخر والاطلاع على عوالمه ورؤيته هذا ما يؤسس لمفاهيم الترجمة كجسر بين الشعوب والتلاقح الثقافي. الترجمة عملية ابداعية والابداع لا يُزهر الا في رحابات الحرية. الترجمة تحتاج الى دعم مادي تتبناه مؤسسات الدول المعنية بالامر.  هناك مجهودات عظيمة من بعض المترجمات والمترجمين لايمكن اغفالها وهؤلاء يحتاجون الدعم المادي ويتم تفرغهم لهذا العمل العظيم في تجسير الشعوب.

تكتبين الشعر والرواية ، والدراسات ، والمقال ، وعملتى بالاعداد الاذاعى ،  اى مجال  من تلك المجالات الاقرب لكِ؟
 
قلبي لا يفصل بين هذه البساتين. اكتب الشعر وبذات الشغف اكتب المقال واجري الدراسات. العمل الاذاعي  بداياته بالسودان حيث كنت اعددت اول برنامج يهتم بالوعي البيئء بعنوان (الانسان والبئية)  وفي مرات قليلة في اذاعة النساء عبر الاثير بالنمسا.

واخيرا وليس اخر ، حدثينى عن اهم طموحاتك وآمالك ، العامة والخاصة؟

اود ان اركز على شبكة فنون بنات مندي والتي في زمن وجيز انجزت الكثير، من حوارات مع مبدعات سودانيات وغير سودانيات، وابتداع منحة ملكة الدار للخبز والورد والتي مولت من افريكا بيرسبكتيفي بالمانيا. ثمرتها كتابيين تبرعمت من ثلاث ورش عمل ابداعية مع شابات وشباب بعنوان: الكتابة لأجل التغيير الاجتماعي.  امامي عدد من المشاريع في الترجمة والبحوث واكمال روايتين. كل هذا يحتاج لتركيز وكسب الوقت لهذه المشاريع.