إعادة الاعتبار لحضارة مصر القبطية: الذاكرة المفقودة


جمال زايدة

المصدر: الأهرام اليومى 19يناير 2011

بعيدا عن الجدل الذى يثيره أحمد عثمان الباحث فى التاريخ المصرى القديم ومحاولته الربط بين شخصية موسى وإخناتون إله التوحيد فى مصر يقدم مؤلفا جديدا حول حضارة مصر القبطية. الذاكرة المفقودة.
أحمد عثمان مؤلف يثير الجدل. قوبلت نظرياته بالرفض من علماء المصريات. ولد فى مصر عام 1934 عمل صحفيا فى بداية الستينيات قبل أن يهاجر إلى إنجلترا لكى يستقر فى لندن. قدم كتابه الأول عام 1987 باللغة الإنجليزية «غريب فى وادى الملوك». ثم عمله الثانى «موسي. فرعون مصر» عام 1990، ثم كتابا ثالثا بعنوان «مسيح مصر».
هو يبدأ كتابه الجديد بالإشارة إلى أن تقسيم التاريخ المصرى إلى ثلاثة أقسام: العصر الفرعونى من 3150 إلى 332 قبل الميلاد، ثم العصر اليونانى الرومانى من 332 قبل الميلاد إلى 641 ميلادية، ثم العصر الإسلامى من 641 وحتى وقتنا هذا هو تقسيم خاطيء إذ لا ذكر فيه للعصر القبطي، وبرغم أن البعض بدأ فى الحديث عن العصر القبطى فإنه لا وجود للعصر القبطى فى أحداث التاريخ المصرى الذى يدرس فى المعاهد والجامعات، أو فيما تنشره الجامعات العالمية.
يتضح من هنا أن تجاهل العصر القبطى ليس مسألة مصرية داخلية، وإنما لها علاقة بكيفية تقسيم الباحثين فى الغرب للتاريخ المصرى القديم والحديث.
ويقول إنه حتى بالنسبة إلى أولئك الباحثين الذين يتحدثون عن العصر القبطى فلايزال هذا العصر دون حدود تاريخية محددة، بل هو متداخل مع فترتى الحكم الرومانى والبيزنطي، ومن أهم أسباب اختفاء العصر القبطى من التاريخ المصرى أن الباحثين الكلاسيكيين اعتبروا القسم الثانى من التاريخ المصرى يمثل تاريخ حضارة أجنبية وليست مصرية «حضارة يونانية ورومانية».
فى هذا المؤلف حاول أحمد عثمان أن يوضح سبب هذا الوضع الشاذ، وأن يبين أن ما يسمى الآن بالعصر الرومانى للتاريخ المصرى «30 قبل الميلاد ـ 641 ميلادية» هو فى الحقيقة يمثل العصر القبطى من تاريخ مصر.
وقدم تقسيما جديدا للتاريخ يحل محل التقسيم القديم وينقسم أيضا إلى ثلاثة أقسام: فرعونى من 3150 إلى 30 قبل الميلاد، قبطى «30 قبل الميلاد إلى 641 ميلادية»، ثم إسلامى «641 إلى الوقت الحاضر». واستخدم عثمان كلمة «قبطي» كما كانت تستخدم فى العصور القديمة ليس للدلالة على المسيحى المصرى وإنما للدلالة على «المصري» بشكل عام.
الأقباط بشكل عام ـ بمن فيهم المسيحيون والمسلمون ـ هم أحفاد المصريين القدماء. كلمة قبطى مأخوذة من الكلمة اليونانية «أجيبتوس» وهى شكل الصفة للاسم Aiguptia أى مصر.
ومن المفهوم أن Aiguptia هى بدورها مأخوذة عن اسم مدينة منف فى مصر القديمة «ها ـ كا ـ بتاح» أى مقر روح بتاح، الكلمة التى استخدمها اليونانيون للدلالة على مصر كلها، وبينما استخدم العهد القديم من الكتاب المقدس الكلمة العبرية «مصرايم» للدلالة على مصر استخدم القرآن الكريم كلمة مصر، ومع هذا فقد أطلق المؤرخون العرب الأوائل على المصريين كلمة «قبط»، وهى الكلمة التى صارت الآن ذات دلالة دينية وليست قومية.
ويشير الكتاب إلى أن الكلاسيكيين الأوروبيين هم الذين قاموا بتحديد عصور التاريخ المصرى خلال القرن التاسع عشر ليس على أساس التطورات الداخلية والتغيرات التى حدثت فى مجالات الثقافة والإدارة، بل على أساس تصورهم الخاص لطبيعة التاريخ المصرى القديم، حيث اعتقدوا أنه خلال تلك الفترة عندما سقطت البلاد تحت حكم أجنبى للمقدونيين والرومان ثم البيزنطيين اختفت عناصر الحضارة المصرية القديمة وحلت مكانها عناصر جديدة لحضارة هيلينية يونانية، وهم يرون أن الحضارة المصرية القديمة انتهت من الوجود مع وصول الإسكندر الأكبر إلى أرض مصر فى 332 قبل الميلاد.
وينسب إلى الباحث رودلف بلوم مقولته التى يشير فيها إلى حرص بطليموس الأول وحلفائه على إظهار تفوق الثقافة اليونانية بطريقة أفضل عن طريق العمل على ازدهار الفنون والعلوم اليونانية فى الإسكندرية حتى يمكن تبرير الحكم المقدونى اليونانى على مصر.
ويرد عليه عثمان بأن ادعاء بلوم يتعارض تماما مع الأدلة الأثرية الحديثة التى تؤكد أن الثقافة الفرعونية المصرية استمرت خلال فترة حكم البطالمة.
يستغرق المؤلف فى كتابه فى تقديم الأدلة التاريخية على مصرية الإسكندرية ودحض مقولات المؤرخين فى يونانية مصر ما بعد مرحلة وصول الإسكندر الأكبر فيتحدث عن اكتشاف قصر كليوباترا والعثور على معبد فرعونى داخل منطقة القصور الملكية البطلمية.
ثم يتحدث عن بدء العصر القبطى بوصول القديس مرقص وتأسيس الكنيسة القبطية المصرية، وكان هو أول البطاركة فى كنيسته التى أقامها فى الإسكندرية.
وأفرد المؤلف فصلا عن «الكتابات القبطية» وآخر عن «تدوين الكتاب المقدس» و «ظهور الرهبنة فى مصر»، واعتمد بشكل كبير على عدد من المراجع أهمها موسوعة تاريخ الأقباط لزكى شنودة، وقدم فصلا عن «الحج المسيحى إلى مصر». ثم «الفن القبطي». ووجوه الفيوم.
الحقبة القبطية كما قدمها أحمد عثمان عبارة عن تأريخ لدخول الديانة المسيحية إلى مصر، وهو لا يكفى لتقديم رؤية متكاملة لحضارة مجتمع. ويبدو أنه معذور فى ذلك إذ لم يقدم الغرب ـ باحثيه وعلماءه ما يدون تلك المرحلة بشكل كامل.
الكتاب يقع فى 166 صفحة استهل بمقدمة جيدة كتبها منير غبور ومن إصدار مكتبة مدبولى «صفحات من تاريخ مصر».