أماني أمين : ومد الجسور بين الثقافات المختلفة


أماني أمين : ومد الجسور بين الثقافات المختلفة

موقع إيلاف -  الخميس 3 نوفمبر
حوار مع د. أماني أمين

حاورتها سلوى اللوباني: : د. أماني لديها اهتمامات أدبية ثقافية متعددة، ونشرت لها عدة مقالات في الصحف والمجلات، في النقد الأدبى والسينمائي، بالاضافة الى ثورة الاتصالات والثقافة الإلكترونية، كما قامت بترجمة عدة أعمال أدبية من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس، كرست نفسها خلال السنوات الثماني الأخيرة للمساهمة في تطوير ونشر الثقافة العربية من خلال الوسائل الحديثة التي تتيحها شبكة الانترنت، من هذا المنطلق أسست "منتدى الكتاب العربي" في مارس 1998 وهو موقع ثقافي على شبكة الإنترنت يعمل على ربط أبناء الوطن الواحد في مصر والعالم العربي وكذلك أبنائنا في الخارج بما يسهم في توظيف كل هذه الطاقات والمواهب من أجل تحقيق النهضة الثقافية، هي تجربة مميزة للمرأة العربية لمد الجسور بين الثقافات المختلفة، فدار حوارنا حول الموقع الثقافي واحتكاكها بجيل الشباب على مدى 8 سنوات

*كيف قررت انشاء الموقع؟ ما الهدف منه؟
-مع اكتشافي لشبكة المعلومات في اوائل عام 1996 أدركت أنها سوف تحدث ثورة شاملة، تنعكس بشكل أو بآخر على كل جوانب الحياة، وكنت مقتنعة بأن التحدي الأكبر الذي يواجه مصر والأمة العربية يتمثل في المجال الثقافي بمعناه الواسع أي الحضاري، ولذا فكرت في استغلال الوسائل الحديثة التي تتيحها شبكة الانترنت من أجل المساهمة من جانبي في تطوير ونشر الثقافة العربية، بالاضافة الى تشجيع القراءة والكتابة والحوار الموضوعي البناء .

*وأهداف المنتدى بشكل عام؟
-تقديم خدمة عامة للكاتب والقارئ والناشر، واستغلال الإمكانيات الهائلة لشبكة الإنترنت في فتح نافذة يطل منها العالم على الفكر العربي، وايضاً وهو الاهم بالنسبة لي طرح إنتاجنا الفكري والثقافي على الساحة لإيجاد التوازن المطلوب في عصر المعلومات، وإتاحة بديل موضوعي للقراء في أنحاء العالم يقف في وجه طوفان الإعلام الغربي شديد الانحياز خاصة فى عالم ما بعد 11 سبتمبر.

* ما هي برأيك أهم التأثيرات الثقافية لانتشار الانترنت؟
- أهم هذه التأثيرات هو كسر الاحتكار المركزي لفرص النشر والتوزيع، وإتاحة فرصة متساوية للجميع، سواء كانوا مقيمين فى العواصم أم الأقاليم أم المدن أو القرى، أم أرض الوطن أو المهجر، مما سيمثل مساهمة حضارية مؤثرة، وسيترتب عليه نقلة حضارية حقيقية لقطاعات عريضة من الشعوب العربية، وقد استفدت انا شخصيا من استغلال هذه الفرصة فبعد ان منعتنى ظروف التنقل من بلد الى آخر من الاستمرار في ممارسة طب الاسنان، وجدت في شبكة المعلومات البديل، وها أنا اليوم بعد انشاء منتدى الكتاب العربي أفخر بالمساهمة في بناء كيان لا يكتب عليه الانهيار بمجرد تغيير مكان اقامتى، فالمنتدى قائم على شبكة المعلومات، وأصبح المكان الجغرافى لمن يديره ومن يتعامل معه لا قيمة له إطلاقا.

*هل واجهتك صعوبات اثناء عملك بالموقع وتطويره أوالترويج له؟
-رغم وردية فكرة أن يقوم موقع على العمل التطوعي، إلا أن الواقع يجعلني آمل في أن يكون للموقع دخل ثابت يتيح لنا بناء الموقع بطريقة مثلى، ويعتمد المنتدى حاليا بكل برامجه وأنشطته على جهود عدد محدود من المتطوعين، وفي حين أنه من المستهدف أن يصل المنتدى إلى مرحلة تغطية نفقاته من خلال عوائد بعض أنشطته مثل مبيعات الكتب ورسوم الاشتراك في نادى القراء وورشة الكتابة، علاوة على الإعلانات فإن الوصول إلى تلك المرحلة مرهون بمدى إمكاني تطوير المنتدى والوصول به إلى الحجم الذي يمكن معه تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن التطور السريع للموقع يفوق إمكانات الجهود الذاتية مما يقيد حركة نموه الطبيعية، وفي حين أصبح انتقال المنتدى إلى مرحلة جديدة توفر له متطلبات البقاء والتأثير أمرا حتميا، فإن ذلك يتطلب زيادة عدد القائمين على الموقع من خلال تعيين عدد من الموظفين، وتوفير العائد المادى للمتخصصين المساهمين في أنشطته.
ومع هذا فقد نجحنا في تخطي كل العقبات فالمنتدى يضم اليوم حوالي تسعة آلاف من الأعضاء من كافة أرجاء العالم، ومن بينهم العرب وذوو الأصول العربية والأجانب المهتمون بالثقافة العربية، كما يستقبل الموقع ما يزيد على 300 ألف زائر شهريا.

*وضحي لي دور الادباء العرب في دعم موقع ثقافي مثل موقع المنتدى؟
- منتدى الكتاب العربي كيان يقوم لنا وبنا، وهو أولاً واخيراً مجتمع يضم مجموعة من الأفراد عندهم اهتمامات متشابهة، والمنتدى قائم لهم ليستفيدوا ويفيدوا، تقترن بالمنتدى عدة أنشطة ثقافية وخدمات، لذلك الدعوة مفتوحة للجميع للمشاركة فيها أو الاستفادة منها كل حسب اهتماماته الشخصية، فمثلا كل المادة المنشورة على الموقع من قصة او شعر او مقال تعتمد على مساهمات من الأعضاء، ويستطيع اي عضو ارسال النصوص الى المنتدى حتى ما سبق نشره منها، وتتم عملية الاختيار والمراجعة من خلال بعض اعضاء المنتدى المتطوعين من الكتاب كل في تخصصه وترسل لهم المساهمات بعد حذف اي اشارة الى صاحبها.
ويتمثل دور الكتاب من خلال نادي القراء ايضاً، الذي شجع الجوانب الإبداعية والنقدية للقراء، من خلال اختيار كتاب متميز كل شهر وبدء نقاش موضوعي حوله، فيساهم الأعضاء من الكتاب والنقاد والقراء فيه بدءاً بعملية الترشيحات واختيار الكتب، الى الملف الذي ننشره حول كتاب الشهر وكاتبه الى المساهمة في المناقشة والحوار، أما في برنامج ورشة فن الكتابة والتى تعمل على تنمية القدرات الفنية للكتاب على كافة مستوياتهم، فالأدباء المشاركون فيها يعملون بشكل تطوعي دون أي مقابل.

* يمكن اعتبار المنتدى وسيلة لنشر الفكر العربي للعالم الغربي؟
- أحد الأهداف الرئيسية لمنتدى الكتاب العربي تتمثل كما قلت في فتح نافذة يطل منها العالم على الفكر العربي، والتعريف بمبدعيه ومفكريه، فمن المحبذ ان تكون معظم المواد المنشورة على الموقع متاحة بلغات أجنية، ولذا فنحن نناشد أعضاءنا دائماً من الكتاب أن يبذلوا بعض الجهد في ارسال سيرهم او اعمالهم بلغات اجنبية ان امكن، كما نشجع جميع الأعضاء على المساهمة في اعمال الترجمة سواء في بيانات كتابنا ومفكرينا او في ابداعهم.
ورغم ان المساهمة في هذا الشأن ضعيفة جدا، الا ان بعض الكتاب والاعضاء قد قاموا مشكورين بجهد كبير ليس فقط في ترجمة بعض المواد المنشورة على الموقع، بل امتد الى بعض المواد التى نجح المنتدى في نشرها في المجلات الأدبية المتخصصة في الخارج.

* ذكرت سابقاً احدى أنشطة المنتدى وهو نادي القراء، ما هي الاسس التي يتم بناء عليها اختيار الكتب الشهرية لنادي القراءة؟
- هذه الاختيارات السنوية تتم بدقة وبتخطيط من قبل المنتدى وبعض اعضائه من النقاد والقراء، بحيث نصل الى ستة اختيارت متناسقة متوازنة، وتبدأ العملية بترشيحات تعرض للقراءة لاخذ الاصوات وتنتهي عملية الفرز بادخال اعتبارات السعر والوزن والنوعية الى ان نصل الى المجموعة المناسبة لكل فترة، ونحاول ان تتضمن كل فترة كتب في مجالات مختلفة الى جانب الاعمال الروائية والشعرية والفنية، واذا رغب اي عضو في ترشيح كتاب له أو لغيره يجب ان يعطينا طريقة الاتصال بالناشر ان كان بالقاهرة او ارسال خمس نسخ للعرض، في حالة اذا تم الاختيار يجب ان يكون الكتاب متوفرا في السوق بحيث نستطيع تغطية عدد جميع المشتركين وبسعر مناسب.

* لنسأل الآن كيف تفسرين عزوف الشباب عن القراءة؟
- كيف يكون هناك عزوف عن القراءة طالما يبحث الانسان عن المعرفة؟ قد يتغير اسلوبنا في القراءة، فالكثير منا مثلا يقرأ الجريدة على الانترنت، بل من كان يقرأ جريدة واحدة من أول صفحة الى آخر صفحة اصبح اليوم يقرأ عدة جرائد من مناطق مختلفة من خلال الانترنت، قد يقوم في النهاية بقراءة نفس الكمية ولكن يتيسر له اختيار افضل للمواضيع التي توافقه، حتى في المستقبل لو حدث وتغيرمفهومنا لما هو "القراءة" سوف نظل نبحث عن المعرفة ولكن بصورة مختلفة عما نعهده.

* هل هناك كتاباً أثار جدلا كبيرا أثناء ترشيحه للقراءة على الموقع؟
- للأسف تبرمج مؤسساتنا التعليمية المواطن على التلقي والابتعاد عن روح الحوار، مما خلق فجوة خطيرة في ثقافاتنا، ونادي القراء محاولة من جانبنا لتعويض هذه الفجوة من خلال تشجيع القراءة النقدية، لا أستطيع تحديد عمل واحد اخترناه يكون قد فاق غيره في بلوغ هذا الهدف، ولكن مما لا شك فيه أن أكثر الحوارات نجاحا هي التي شارك فيها مؤلف الكتاب، مثل ما حدث مع صنع الله ابراهيم في روايته وردة، وسمية رمضان في أوراق النرجس، ومحمد توفيق في عجميست، وهالة البدري في امرأة ما، وفوزية أسعد في حتشبسوت، وشريف الصيفى مترجم كتاب الموتى، وفاطمة ناعوت في ديوانها كف امرأة.

* مصطلح "ثقافة مزدوجة" يلتصق في أغلب الاحيان بالمغتربين، هل بالفعل من يقيم في بلد غربي يحمل ثقافة مزدوجة؟ ما هي سلبياتها وايجابياتها؟
- أعتقد أن الوضع الأمثل للمهاجر أن ينجح في الوصول الى توازن صحي، يتبنى فيه أحسن ما في وطنه الجديد ليضيفه الى ما اكتسبه من وطنه الأم، أما أنا فأنتقل كل أربعة أو خمس سنين لبلد جديد يختلف تماما عما سبقه في كل شئ، وأعتقد أن هذا أكسبنى قدرة على التواؤم مع كل الظروف وموهبة قبول الاخر وثفافته والنجاح في التعايش معها، ومما لاشك فيه ان السفر فعلا له سبع فوائد فأخرج من كل بلد وأنا أحمل معي قطعة منها، ومن شعبها وثقافته تضيف الى روحي و ذاتي فتثريهما، بالنسبة للسلبيات فتتلخص في أن كل لحظة أتمتع بها في الخارج هي في حقيقتها لحظة مقتطعة من وقتي مع أهلي وأصدقائي في الوطن.

* ما رأيك بجيل الكتاب والشعراء الشباب؟
- هم أوفر حظا ممن سبقهم وقد لا يوافقوني الرأي، ولكنني أعتقد أن شبكة المعلومات قد فتحت لهم أبوابا كثيرة و تيسر لهم اجتياز كثيرا من الحواجز القديمة، فما الفرق اليوم بين كاتبة شابة تعيش في قرية نائية وربما حتى تمنعها ظروفها الاجتماعية من الخروج من باب منزلها وبين كاتبة تقطن العاصمة يتيسر لها حضور مئات المؤتمرات والندوات؟ يستطيع اي كاتب اليوم أن ترى كتاباته النور في أرجاء العالم وفي المقابل يقرأ ويتعلم من مصادر لا حصر لها، كنت ألقي منذ اسبوع محاضرة في المتحف القومي الاسترالي بكانبرا عن الثقافة العربية على الشبكة، وتطرقت الى دور الانترنت في النهوض بالمرأة ودعمها ومن الامثلة التي ذكرتها في سياق حديثي ثلاث كاتبات شابات أفخر بهن واحدة مصرية وأخرى أردنية والثالثة أمريكية وهن من اعضاء المنتدى اللاتي شاركن في برنامج ورشة الكتابة ونجحن في نشر اول كتاب لهن وكلهن من خلفيات متباينة ويكتبن في مجالات مختلفة تماما، تحفل شبكة المعلومات بكنز من المواقع الجيدة، التي لا أول لها ولا آخر ويستطيع أي كاتب استغلال هذا في النهوض بنفسه والعمل على صقل موهبته.
* مقارنة بالمواقع الغربية هل تجدين اقبال على موقع المنتدى؟
- طبقا لمحركات البحث الشهيرة والجهات المتخصصة في رصد مراكز وترتيب المواقع عالميا، فإن مركزنا مشرف جدا بصفة مستمرة، من حيث عدد الزوار وأهمية وجودة المضمون، ولكن ما أعتز به أكثر هو الكم الهائل من المواقع التي توجه زوارها الى موقع منتدى الكتاب العربي على أنه من أهم المصادر والمراجع للثقافة العربية، وأن تفعل هذا منظمة اليونسكو و جامعات في أمريكا وانجلترا ومراكز الدراسات الاستراتيجية حول العالم فهذه بالنسبة لي أعلى وسام للموقع، أو مثلا رسالة الى دفتر الزوار كالتي كتبها مستر بيتر ريبكن ـ رئيس جمعية دعم آداب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ومستشار معرض فرانكفورت الدولي للكتاب-"لقد غمرنى ثراء المعلومات على هذا الموقع، خاصة لهؤلاء الذين لا يستطيعون لسوء حظهم قراءة العربية، رغم اهتمامهم بالأدب العربى".
ان متصفح الانترنت يزور الموقع الذي يحوى المعلومة التي يريدها أو يبحث عنها، ولذا يستفطب موقع منتدى الكتاب العربي الزائر المهتم بالثقافة العربية بالذات، ويضم المنتدى آلاف من الأعضاء من كافة أرجاء العالم، ومن بينهم العرب وذوو الأصول العربية والأجانب المهتمون بالثقافة العربية، بل أن هؤلاء أكثر تعطشا للتعرف علينا ويجدون في الإنترنت فرصة ذهبية ليروا فيها العرب لأول مرة من خلال أعين عربية، وقد كانت هناك طفرة ملحوظة في عدد الاعضاء والزوار في عقب أحداث سبتمبر 2001 مما يؤكد أنه رغم الاثار السلبية لهذا الحدث على منطقتنا الا ان هناك ظاهرة ايجابية تتمثل في الرغبة في التعلم والفهم، فما هي الصورة التى نريد أن يرانا عليها الآخر؟ لقد آن الأوان لكي نرتفع جميعا لمستوى المسؤولية لتصحيح المفاهيم ومد الجسور بين الثقافات المختلفة لزيادة التفاهم والتسامح بين الشعوب .

* يجب أن أسأل السؤال التقليدي للمرأة العاملة، هل تجدين صعوبة في اثبات ذاتك من خلال عملك (كامرأة) وبالمقابل التوفيق بين دورك كزوجة وأم؟
- لو تناولنا عملي كطبيبة أسنان ففي البداية لم يكن هناك تعارض كبير بينه وبين ظروفي كزوجة دبلوماسي، خصوصا وأن أول سفرنا كان بالولايات المتحدة الأمريكية حيث نجحت في استكمال الدراسة بها، ولكن مع الاستمرار في التنقل من بلد الى بلد جاء يوم واتخذت القرار الصعب وهو أننى زوجة وأم أولا، ولكننى نجحت في تجاوز هذه المرحلة من حياتي بتأسيس المنتدى، فكان لي بداية جديدة تلائم ظروفي أكثر ومنحتنى متعة تحقيق الذات والتوفيق بين دوري كزوجة وأم في آن واحد.

*ما هي طموحاتك او تطلعاتك الثقافية للمستقبل؟
- أتمنى أن ينتقل المنتدى إلى مرحلة جديدة توفر له متطلبات الانتشار وتحقيق أهدافه على أكمل وجه، من خلال الانتقال من مرحلة الجهود الذاتية إلى مرحلة مؤسسية، وقد بدأنا في تشكيل مجلس للأمناء يضم شخصيات بارزة لها مساهماتها في مجال التنمية الثقافية، ويكون دور المجلس استشاري بحيث يستفيد الموقع من خبرات ورؤى أعضائه دون أن يمثل عبئا عليهم أو يقتطع جزءا كبيرا من وقتهم، ويضم مجلس أمناء منتدى الكتاب العربي اليوم كل من الأديبين بهاء طاهر وجمال الغيطاني، والسفير عبد الرؤوف الريدى رئيس مجلس إدارة مكتبة مبارك العامة، والدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلي للثقافة.



د. د. أماني أمين حاصلة على بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان من القاهرة، ثم شهادة البورد الأمريكية لطب الاسنان من شيكاغو، مارست طب الأسنان لعدة سنوات، أقامت في العشرين عاماً الأخيرة لفترات طويلة بالخارج باريس، واشنطن، هراري، جنيف، كانبرا.