عز الدين شكري يكتب أوجاعه في غرفة العناية المركزة

أسامة فاروق - اخبار الأدب ابريل 2008

يقول :' روايتي الأولي نشرتها علي حسابي الخاص والرواية الثانية نشرتها في دار ميريت لأن الدار قبلت نشرها بناء علي توصية من أحد الأصدقاء، أما الرواية الأخيرة فلم يكن بيني وبين ناشرها سوي النص فقط ، عز واجه مشكلة في التعرف علي الوسط الثقافي المصري وبالنسبة له لا يزال لغزا محيرا، خاصة وأنه قضي عدة سنوات خارج مصر وبالتالي تنقطع صلته دائما بالتفاصيل، واكتشف في النهاية أن التعامل مع الوسط الثقافي المصري صعب جدا ليس فقط لأنه قادم من الخارج ولكن لأنه _الوسط­ غير محدد فمن هو الوسط الثقافي، أقابله فين؟ ومازلت حتي الآن أسال أين هو الوسط الثقافي هل إتحاد الكتاب مثلا أم المجلس الأعلي للثقافة أم مقاهي وسط البلد احتاج شكري فترة طويلة جدا حتي يخرج بفكرته التي يلخصها في أنه لا يوجد في مصر وسط ثقافي والمصطلح يطلق علي مجموعة من الأشخاص يتفرع منهم بعض الشبكات غير المحددة علي حد تعبيره.

ينفي شكري تعمده لاختيار شخصية الدبلوماسي استنادا إلي اعتقاد القارئ أنه ربما يفضح أو يكشف أشياء غير معروفة عن تلك الأجهزة التي يظنها الجميع محصنة حتي الآن ولم يطلها الفساد بعد، يقول أن الرواية بها أكثر من وجه ليس فقط ما يخض العمل الخارجي، فبها أيضا الصحفي والمثقف والمواطن العادي، وتعدد الوجوه ينفي بالضرورة أن يكون هو نفسه الشخصية الرئيسية في الرواية "بالتالي فإن عملي السابق كدبلوماسي لا يعطي الرواية أية أفضلية، وأعتقد أن القارئ لا ينتظرني حتي أقول له إذا كانت هذه الأجهزة تعمل بكفاءة أو لا تعمل علي الإطلاق، فالأمر ربما يكون واضحا للجميع وأنا أترك الإجابة للقارئ علي أي الأحوال . ورغم ذلك وضع عز مقدمة تؤكد علي أن أحداث الرواية ليست حقيقية والأشخاص كذلك، كما كتب روايته استنادا إلي اعتقاد طريف مفاده أن من بيدهم الضرر ليسوا من قراء الروايات، ربما كان ذلك عنصر الأمان الذي اعتمد عليه شكري، كما أنه ووفقا لرؤيته الخاصة لا يكتب ليحدث أثرا في أي شئ "أنا اكتب لكي أعبر عن نفسي لأن هناك أشياء تؤرقني و تؤلمني أو أشياء أود عملها أو قولها مثل الفنان الذي يرسم لوحه ولا يتوقع أن تعجب أحدا، لكن لو حدث هذا فسيكون جميلا جدا .

تدور الرواية حول حدث رئيسي هو انفجار مبني السفارة المصرية في السودان علي يد مجهولين، وعلي امتداد الرواية تجقدم أربعة تفسيرات مختلفة لأربع شخصيات كانت محتجزة داخل المبني، يظهر السرد أن الشخصيات ليست منفصلة كما قد يبدو في البداية، فجميعهم علي صلة وثيقة ببعضهم وتورطوا بشكل ما في الحادث. الحدث الرئيسي يؤكد وجود الخط السياسي علي امتداد الرواية، كما يظهر الدين كخط فرعي في الأحداث التالية، وخلفيات الرواية تدور جميعها في فلكهما.. ربما كان من المنطقي اعتماد الكاتب علي أفكار سياسية استنادا أي مرجعيته وعملة السياسي، لكن هل يدخل الدين بشكل مقحم علي الرواية؟ يرفض شكري هذا الطرح تماما ويقول أن وجود شخص قبطي طبيعي جدا من وجهة نظره ومقصود تماما في الرواية لتوضيح نقطة هامه فمن خلال هذه الشخصية تناولت إشكالية المثقف وجزء من الإشكالية القبطية، وكنت حريص تماما علي ألا تكون مقحمة لأن هذا الشخص القبطي كان الحدث الرئيسي في حياة شخصية رئيسية أخري ولم أكتب ذلك بقصد البحث عن الخلطة السرية، جنس ودين وسياسة..فأنا لا أكتب لآكل عيش . يوضح عز النقطة الأخيرة بأنه لا يبحث عن التوزيع ولا يبحث عن الانتشار بهذه الطرق المبتذلة بل علي العكس فانه في روايته الأخيرة وبعد أن انتهي منها تماما قرر حذف بعض الفقرات التي رأي أنها "أوفر ..لأنه يعتبر أن علي الكاتب البحث عن مشاكل المجتمع، وأن يعبر عنه بطرق تناسبه ولا تجرحه وتخدشه..لأن دور الكاتب­من وجهة نظره أيضا­ أن يثير أسئلة، لا أن يبحث عن الإجابات، فإثارة السؤال تعني الفهم وتعني الوعي بوجود المشكلة.. إثارة السؤال هي أول الطرق إلي الحل، ربما لذلك وضع شكري عشرات الأسئلة علي امتداد الرواية يقول : تساءلت، كيف انهارت الأمور في مصر إلي هذه الدرجة؟ كيف ضربت الفوضي والإهمال والتسيب وانحدار الكفاءة كل شئ هكذا وبهذه السرعة؟ من الرقابة علي الغذاء إلي الفشل في الطب، وتلوث الهواء، والإشعاع في الأغذية، والاستبداد السياسي، والتمييز الديني، التعذيب، وسيطرة الأمن علي الجامعة وبقية مؤسسات المجتمع والدولة، وسيطرة التخلف علي عقول الطلبة، والنخبة، والإرهاب الفكري، وتدهور مستوي الثقافة، وانتشار الهبل في الصحف والراديو والتلفزيون، وانهيار المرافق العامة، وانحطاط المهنية في سائر المهن من السباكة إلي التدريس بالجامعة..كيف حدث كل ذلك وبهذه السرعة؟ ، ويضيف يجب أن تشكرني لأنني لم أحاول الإجابة علي كل هذه التساؤلات، وإلا تحولت الرواية إلي دراسة علمية مملة .