من كتاب : العولمة والاسلام السياسى / كتاب الأهالى 2009

السلفية والكوكبة

      ان حركه الكوكبه والتغريب والتحديث الغربي من ناحيه وحركه السلفيه الدينيه والعرقيه والقوميه من الناحيه الاخرى ليستا سوى وجهين لعمله واحده وقد يثير مثل هذا القول كثيرا من الدهشه عند بعض الناس اليست هذه الحركات السلفيه معديه للغرب وألا يعاديها الغرب بدوره اليست بينهما صراعات تشهدها كل يوم وتتفاقم الى حد بعيد في بعض الاوقات مع ذلك فكلاهما يدعمان النظام الراسمالي ويسعيان الى الحفاظ عليه وعلى استغلاله ولا يوجد فارق كبير بين النمط الراسمالي في الغرب والراسماليه التي تناشدها وتطبقها الحركات الاسلاميه والدليل على ذلك هو العلاقات الوثيقه بين بلاد الخليج النفطيه وعلى راسها المملكه العربيه السعوديه وبين الشركات المتعدده الجنسيه في بلاد الغرب او شركات توظيف الاموال الاسلاميه التي غررت بآلاف من المودعين المؤمنين بما كانت تدعيه من طهاره اليد والتمسك بالشرع او شبكه البنود الاسلاميه التي تتداخل معاملاتها مع شركات الغرب وبنوكه وبورصاته وبالحركه العالميه للمال والنقد فالعلاقات بين راس المال لا هويه لها ولا مله ولا دين ولا وطن ولا عرق راس المال هو راس المال يسعى الى المكسب والربح في اي مكان وفي كل وقت.

    ان عمليه التمركز والتركيز لراس المال التي تتم بواسطه الشركات المتعدده الجنسيه تؤدي الى توحيد مصادر المال واستخداماتها بين ايدي اقليه ضئيله من الناس مسلمين كانوا او مسيحيين او يهودا تقابلها من الجانب الاخر عمليه تهميش وإفقار متزايد لالاف الملايين من سكان الارض وفي المجال السياسي تنعكس عمليه التوحيد الاقتصادي هذه في انشاء وتدعيم منظمات مثل منطقه التجاره الحره في امريكا الشماليه ، والسوق الأوروبية المشتركة ،

وحلف جنوب شرق اسيا واخيرا منطقه التجاره العالميه التي حلت محل الجات . كما تسعى شركات المتعدده الجنسيه الى خلق تلك الثقافه الكوكبيه التي تخدم السوق العالميه وتدعمها.

      لكن في الوقت نفسه حتى تتحقق لهذه الشركات الهيمنه التي تريدها لابد من تقسيم صفوف الشعوب ومنعها من الاتحاد لمقاومتها وتلعب الحركات القوميه العرقيه والدينيه والسلفية المتعصبة دورا مهما في هذا فالتوحيد من اعلى اي توحيد السوق وتأكيد سيطره الاقليه الغنيه عليها لا يمكن ان يتم الا بتفتيت قوى الاغلبيه وشرذمتها الا باستخدام التعصب العرقي والقومي والديني الى ابعد حد خصوصا في هذا العصر حيث اصبح من المستحيل ان تقف جماعه واحده او ان يقف شعب بمفرده ضد القوه الجبارة للرأسمالية الدوليه بالامكانيات الاقتصادية والسياسيه والعسكرية والتكنولوجية المتوفره لديها.

     لذلك ليس من قبيل المصادفه ان تسعى العواصم الغربيه في عصر ما بعد الحداثه الى تشجيع الحركات الدينيه الأصولية وتدعيمها لخدمه اغراضها مقتفية في ذلك خطوات الاستعمار البريطاني القديم في مصر والهند وغيرها من البلاد فالقوى العالميه والمحليه الحاكمه كثيرا تلجا اليها لبث النعرات المقسمه واستخدامها في لعبه التوازنات والضغوط والبحث عن ادوات ووجوه لتحل محل الواجهات التي لم تعد قادره على خدمه مصالحها بعد ان فقدت مصداقيتها لدى الناس واستشري فيها الفساد وعوامل التفكك او لتهدد بها القوى التي تقف بدرجه او بأخرى ضد سياسات التي تريد فرضها.

     والنظام في مصر يصارع الارهاب الديني ويكتف بعض جذوره لكنه في الوقت نفسه يحتاج الى السلفيه الدينيه وفرقها حتى يحكم قبضته ويحاصر القوى الليبراليه والمتقدمه ويبرر اجراءاته البوليسيه وعدوانه على الحريات وتشريعاته المقيده لها والسلفيه الدينيه تبرر ارهابها الفكري وعنفها بفساد النظام وخضوعه للسياسه الامريكيه ومخططاتها ان كلا منهما في حاجه الى وجود الاخر انهم وجها عمله واحده ستنتهي يوم ان تتحقق ديمقراطيه حقيقيه تستند الى حركه جماهيرية فاعلة .

    ان التناقضات التي تقوم بين الراسماليه الغربيه وانظمتها وحلفائها وبين الحركات الاسلاميه السلفيه ثانويه ومؤقته فالتناقضات قائمه دائما في صفوف الراسماليه وبين اجنحتها انها تناقضات بين افراد واجنحه الاسره الواحده وتقسيم للادوار بينها للحفاظ على النظام الراسمالي العالمي وتاكيد للكوكبه وبسط سوقها والتغلب على ايه مقاومه لها تسعى الى السير بالنظام الراسمالي في اتجاه يفتح فرصا للتقدم والانتاج والتوزيع لصالح الجماهير الواسعه ولا يمنع اختلافها في مراحل وظروف معينه حول تقسيم المغانم او توزيع مقاعد السلطه او حول الهويه او الثقافه سعيها المشترك للحفاظ على البنيان الاساسي للمجتمع وعلى الاستغلال الطبقي والأبوي  لرجاله ونسائه.

    الحركات الاسلاميه السياسيه يمكن ان تكون قوه تحرير فعاله كما كانت في بعض مراحل التاريخ اذا ما ارتبطت بحركه ديمقراطيه عامه للمجتمع تعزل عنها القوه الرجعيه والمحافظه التي تستغلها لاغراضها اذا ما حلت محلها قيادات جديده متنوره لا تضلل الحركه الشعبيه وانما تتقدم معها وترتبط بجوهر قضايا التحرر الاقتصادي والسياسي والثقافي والنفسي وهكذا نرى انه في عصر ما بعد الحداثه تتجه الثقافه في اتجاهين متوازيين يكملان بعضهما رغم اختلافهما في الظاهر اتجاه نحو التوحيد والكوكبة تستهدف خلق ثقافه عالميه تخدم الشركات المتعدده الجنسيه والقوى المتعاونة معها وتستند الى تكنولوجيا اعلاميه حديثه لتحقق انتشارها على النطاق العالمي تكنولوجيا قادره على اجتياز المسافات والحدود والتحرك عبر القضاء دون عوائق عن طريق الاقمار الصناعيه وغيرها من الوسائل وثقافه اخرى غيبيه دينيه وعرقية او قوميه متعصبه تؤكد الانقسامات والخلافات والصراعات بين الشعوب والجماعات فتمهد الطريق للثقافه الغربيه المتكوكبه رغم الصدام القائم بينهما في بعض النواحي تمهد الطريق لثقافه السوق العالميه ثقافه الدعاره والمخدرات والعنف والعدوان والمتع السريعه المؤقته لتظل المعرفه احتقارا للقلة المسيطره رغم استنادها الى مجموعه من القيم تبدو مناقضه للثقافه الجماهيريه المبتذلة التي تسعى راس ماليه الغرب الى نشرها.

     توجد ظاهره اخرى جديره بان تلفت انظارنا هي ذلك الحديث عن التنوع وتعدد الثقافي وضروره احترامه ان الشركات المتعدده الجنسيه والمتحدثين باسمها في الجماعات ودور النشر ووسائل الاعلام وفي المؤسسات الثقافيه المختلفه يعبرون عن اهتمامهم بالثقافات الوطنيه ومساهماتها في اثراء الفكر والفن العالمي لكنهم في الوقت نفسه يعملون ما في استطاعتهم للقضاء على النظم الوطنيه على الانظمه الاقتصاديه والسياسيه التي تقاوم التبعيه وتسعى للحفاظ على استقلالها او حتى قدر منه فكيف يمكن ان تزدهر الثقافه الوطنيه ان تتقدم وتتطور وتتدعم اذا ما قضي على قاعدتها الاقتصاديه والسياسيه على الامكانيات الماديه التي تغذيها وتدفع بدماء الحياه في عروقها ان الغرب الراسمالي لا يرى في الثقافات الوطنيه المتعدده سوى منبع ينهل منه ما يريد لاضفاء المتعه والتنوع والشراء على مجتمعاته دون ان يمكن اصحابها من الوقوف على اقدامهم لبناء حياتهم المستقله في مختلف المجالات الغرب الراسمالي ينظر الى ثقافاتنا كسلعه ياخذ منها ما يريد لاغراضه ففي امريكا مثلا يلعب الامريكان السود دورا بارزا في الموسيقى والرقص والغناء وكذلك في الرياضه وتتغنى بلادهم بانجازاتهم ولكن السود ما زالوا يعانون من عدم المساواه مع البيض في الحقوق والامكانيات الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسيه وتفرض عليهم ابشع صور الاضطهاد والاستغلال.

      ان اتجاهات ما بعد الحداثه المرتبطه بالرأسماليه في اخر تطوراتها ترى الثقافات الوطنيه وكانها اجزاء من موازيكو متعدد الالوان يضفى البهجه على المشاهدين له وترى فيها سلعا لاستهلاكها وامتاعها لذلك يجب الا تتحول الى اداه فعاله في يد منتجيها الى اداء اثراء وتحرير لحياتهم الى سلاح فعال في معارك الاستقلال والحريه والعدل والسلام الى وسيله لبناء الشخصيه المستقله لشعوبها.