الجريمة الهادئة للروائي محمد السنور في شاص ودلة والقمر

شاص ودلة والقمر - محمد السنور - دار الذاكرة 2022
”الكثيرون يعتقدون أن جميع الجرائم تتكون من الجاني والمجني عليه فقط، ولكن في الواقع لابد من وجود طرف ثالث قد ساعد الجاني في الوصول إلى ضحيته، وذلك الطرف هو مفتاح حل أية قضية“.

بذلك الاقتباس المميز قام محمد السنور باختياره ليكون في الغلاف الخلفي لروايته الجديدة، والتي تتحدث عن قصة حصرية اندثرت ولم يعد أحد يسمع عنها، ويصف السنور أن للقصة تأثير قوي للغاية على المجتمع التي حدثت به القصة في دولة الإمارات العربية المتحدة في عهد الشيخ زايد -رحمه الله- حيث تدخل شخصياً في مجريات تلك الحادثة لمدى خطورتها على المجتمع. تمتاز الرواية بالكثير من القصص والأحداث التي تزامن في المجتمعات البدوية وعاداتهم العربية الأصيلة، والتي اختلفت في زمننا الحالي بتغير الظروف والأحداث على المجتمع البدوي.

بطل الرواية هو العم سلطان الذي تم افتتاح الرواية به بمقدمة مميزة ومشوقة للغاية، وهو رجل طاعن في السن كان يعشق زوجته إلى حد الجنون، وقد أدى اختفاء زوجته المريب جدلاً كبيراً بين قبيلتها، وتطور الأمر فيما بعد لاختفاء الكثير من الأفراد داخل المدينة، لينكشف ذلك السر الكبير والخطير لقاتل متسلسل من نوع محترف للغاية، وقد وصلت القصة إلى رئيس الدولة الشيخ زايد في ذلك الوقت، وأمر بإصدار حكم خاص وعقوبة هي الأولى التي يتم تنفيذها في على كامل أنحاء الدولة، بل هو القرار الوحيد الذي تم اتخاذه ولم يتكرر حتى الآن.

يقر الدكتور محمد السنور كما ذكر في غلاف الرواية أن هذه القصة حقيقية ولم يتم نشر تفاصيلها نهائياً حتى اليوم، وفي الكلمة الخاصة للمؤلف في بداية الرواية أقر برجوعه إلى عدد كثير من شاهدي العيان الذين أضافوا الكثير من التفاصيل للرواية، وأن ذلك الأمر كان مجهداً له لتنقيح تلك الروايات لتعددها وصعوبة التواصل مع الشهود.

الغلاف مميز للغاية، وكان اختيار اللون البنفسجي لعنوان الرواية أو كما يلقبه الكاتب "اللون العيناوي" اختياراً موفقاً، ويرجع اختيار الكاتب لذلك اللون إلى اللون الرسمي والأساسي لمدينة العين حيث تجري أحداث الرواية، فكما قال الكاتب في روايته أنه لا أحد بتلك المدينة يعترف باللون البنفسجي، فجميع الأهالي يلقبونه باللون العيناوي نسبة للون قميص نادي العين لكرة القدم.

الرواية تظهر لوحة فنية رائعة تربط بين الماضي العريق للعادات العربية بتجمع البدو دائماً في مجالسهم وتبادل الأشعار والحكاوي العربية، وأيضاً بين المستقبل المزدهر الذي شهدته المدينة والدولة بفضل الاهتمام الكبير على مجال التعليم، ومن بين الاقتباسات المميزة للشيخ زايد رحمه الله في الرواية: ” إنّ الجيل الجديد يجب أن يعرف كم قاسى الجيل الذي سبقه؛ لأن ذلك يزيده صلابة وصبراً وجهاداً لمواصلة المسيرة التي بدأها الآباء والأجداد، وهي المسيرة التي جسدت في النهاية الأماني القومية بعد فترة طويلة من المعاناة ضد التجزئة والتخلف والحرمان “.

تناغمت الرواية بالكثير من القصص التراثية الرائعة التي يفتقدها المجتمع العربي الأصيل الآن. واهتمامهم الكبير بالمجالس البدوية وأصول الكرم والضيافة العربية، واختتمت الرواية الطريقة التي أنهى بها الأصدقاء تلك اللعنة التي أصابت المدينة، حتى عاد الهدوء والسكينة من جديد إلى شوارعها المزدانة وأحيائها الراقية والفاتنة.