إعجاز قرآنى علمى أم مجرد ملاحظات ساذجة - الجزء الثاني

إعجاز قرآنى علمى أم مجرد ملاحظات ساذجة - الجزء الثاني

والآن، وبعد أن نقلنا ما خرج به كاتب المقال المشار إليه من نتائج، نأتى إلى آية سورة "فاطر": "وما يستوى البحران: هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُه، وهذا ملحٌ أُجاج. ومِنْ كُلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حِلْيَةً تلبسونها". ولسوف أتناولها من زاوية أخرى لأنها، كما سبق القول، لا تذكر شيئا عن البرزخ أو الحِجْر المحجور الذى يمنع أحد البحرين من البغى على الآخر. لقد قرأتُ هذه الآية مرات لا تحصى، لكنى لم أكن ألتفت إلى ما تؤكده من أن الحلىّ تُسْتَخْرَج من البحر والنهر كليهما، بل كنت أتصور أن اللؤلؤ والمرجان لا يوجدان إلا فى البحار الِملْحة. ومنذ عدة سنوات كنت أقرأ هذه الآية، وفجأة تنبهتُ لما كان غائبا عنى، فتساءلت: هل توجد الحلىّ حقا فى مياه الأنهار كما هى موجودة فى البحار؟ وقد رجعتُ يومها إلى ترجمة عبد الله يوسف على للقرآن إلى الإنجليزية، فألفيتُه، فى تعليقه على هذه الاية فى الهامش، يذكر من أنواع الحلىّ النهرى العقيقَ وبرادةَ الذهب وغيرهما. ثم رجعتُ بعد ذلك إلى "Encyclopaedia Britannica" (الطبعة الرابعة عشرة) فقرأتُ فى مادة "Pearls" أن اللؤلؤ يوجد أيضا فى المياه العذبة. وبعد هذا وقع فى يدى "المنتخَب فى تفسير القرآن الكريم"، الذى أصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، فقرأتُ فى التعليق العلمى الموجود بأسفل الصفحة على الآية المذكورة الكلام التالى الذى يبدو وكأنه كُتِب خصيصا لى: "قد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرًا للحلىّ، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك: أما اللؤلؤ فإنه، كما يُسْتَخْرَج من أنواع معينة من البحر، يُسْتَخْرَج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجَد اللآلئ فى المياه العذبة فى إنجلترا وأسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان...إلخ

بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. ويدخل فى ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذى يُسْتَخْرَج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك فى الرواسب النهرية فى موجوك بالقرب من بانالاس فى بورما العليا. أما فى سيام وفى سيلان فيوجد الياقوت غالبا فى الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التى تُسْتَعْمَل فى الزينة حجرُ التوباز، ويوجد فى الرواسب النهرية فى مواقعَ كثيرةٍ ومنتشرةٍ فى البرازيل وروسيا (الأورال وسيبريا)، وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفرَ أو بُنّيًّا. والزيركون (circon) حَجَرٌ كريمٌ جذابٌ تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تُسْتَخْرَج من الرواسب النهرية".

ولكى يقدِّر القارئ رد فعلى الأول حق قدره أذكر أن بعض المترجمين الأوربيين أنفسهم فى العصر الحديث قد استبعدوا أن تكون الأنهار مصدرًا من مصادر الحلىّ. وقد تجلَّى هذا فى ترجمتهم لهذه الآية: فمثلا نرى رودويل الإنجليزى يترجم الجزء الخاص بالحلىّ منها هكذا: "yet from both ye eat fresh fish, and take forth ornaments to wear". فعبارة "from both" لا تعطى المعنى الموجود فى الآية، وهو أن كلا من البحرين فيه حلىّ لا أن الحلىّ تستخرج منهما معا بما يمكن أن يكون معناه أنه يخرج من مجموعهما حتى لو لم يخرج فى الواقع إلا من أحدهما، وهو ما قد يصلح لترجمة قوله تعالى فى سورة "الرحمن": "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" (لاحظ: "منهما" لا "من كل منهما"). كذلك ينقل رُودِى بارِيتْ المستشرق المعروف هذه العبارة إلى الألمانية على النحو التالى: "Aus beiden esst ihr frishes Fleish". إلى هنا والترجمة صحيحة، فهذه العبـارة تقابـل قوله تعالى: "ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا"، وإن استخـدم بارِيتْ فى مقابل "طريـًّا" كلمة "frishes "، ومعناها الدقيق "طازج". لكن فلْننتبه لترجمة الجزء التالى الذى يقول فيه: "und (aus dem Salzmeer) gewinnt ihr Schmuck...um ihn eukh anzulegen"، والذى تَرْجَمَته: "وتستخرجون (من البحر الملح) حلية تلبسونها". ويرى القارئ بوضوح كيف أن المترجم قد أضاف من عنده بين قوسين عبارة "من البحر الملح: aus dem Salzmeer" ، وهو ما يوحى باستبعاده أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر اللؤلؤ والعقيق وغيرهما من أنواع الحلىّ على ما تقول الآية الكريمة. أما ترجمتا جورج سِيلْ وبَالمَْرْ الإنجليزيتان وترجمتا كازيمريسكى وماسون الفرنسيتان، وكذلك ترجمتا ماكس هننج ومولانا صدر الدين الألمانيتان على سبيل المثال، فقد ترجمت كلُّها النصَّ القرآنىّ كما هو، لكنها التزمت الصمت فلم تعلق بشىء.

ويرى القارئ من هذه الآية كيف أن القرآن قبل أربعة عشر قرنا قد أشار إلى حقيقة علمية يستبعدها ناس مثلى ومثل المستشرق الإنجليزى رودويل ونظيره الألمانى رُودِى بارِيت ممن يعيشون فى هذا العصر التى بلغ فيه التقدم العلمى والتقنى آمادا مذهلة، فكيف عرفها الرسول الكريم إذن وأدّاها بهذه البساطة لو كان هو مؤلف القرآن، وبخاصة أن الأنهار التى ذُكِر أن اللؤلؤ وغيره من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة تُسْتَخْرَج منها تقع فى بلاد سحيقة بالنسبة للجزيرة العربية، بل إن بعضها كالبرازيل مثلا لم يُكْتَشَف إلا فى العصور الحديثة؟

ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف أن المفسرين القدامى، كالطبرى والقرطبى وابن كثير والجلالين على سبيل المثال، قد وقفوا حائرين إزاء هذه الآية وأمثالها حيث يقررون أن الحلىّ إنما تُسْتَخْرَج من البحر المِلْح فقط، وإن كان القرآن قد ذكر البحرين معا. يريدون أن يقولوا: إن العرب كانت تغلّب فى مثل هذه الحالة أحدَ الطرفين على الآخر. بل إن بعضهم، محاولةً منهم الالتصاقَ بالآية وعدم الرغبة فى اللجوء إلى المجاز هنا، قد قالوا إن المقصود بالبحر العذب هو ماء المطر، بمعنى أن اللؤلؤ والمَرْجان لا يتم تكونهما إلا إذا نزل ماء المطر على صَدَفهما فى البحر فانعقد لؤلؤا ومَرْجانا. وهذا كله خَبْطٌ خاطئ، فالمطر لا يُسَمَّى: "بحرا"، فضلا عن أن القرآن الكريم قد نَصَّ على أن الحُلِىّ تُسْتَخْرَج من كلٍّ من البحرين، لا من مجموعهما كما يقول مفسرونا القدامى، ولهم العذر رغم أنهم جاؤوا بعد الوحى بعِدّة قرون كانت الحضارة الإسلامية قد قطعت أثناءها أشواطا فى مجال العلم والفكر فسيحة، إذ إن المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع لم تُكْشَف إلا فى العصر الحديث كما بيّنّا فى الفقرات الأخيرة. وقد كانت هذه الحجة جاهزة فى يدى فى إحدى المناظرات التلفازية التى شاركتُ فيها منذ أعوام ضد من ينادون بإبعاد العلوم الطبيعية عن القرآن الكريم وعدم الاستعانة بها فى تفسيره بشبهة أنه كتاب عقيدة وتشريع وأخلاق لا كتاب كيمياء أو فيزياء أو فلكٍ أو طبٍّ مثلا، إذ ها هم أولاء كبار المفسرين واللغويين يتجاهلون التركيب النحوى الواضح للعبارة القرآنية بسبب عدم توفر المادة العلمية بين أيديهم، فيعاملون تركيب "ومن كلٍّ..." على أن المراد به: "ومن مجموعهما..."، مع أن هذا غير ذاك تمامًا.

تذييل:

لا بد أن أنوِّه هنا بأن الترجمات الألمانية التى أتى ذكرها فى هذه الدراسة كانت قد أهدتنيها منذ سنواتٍ المستشرقةُ الألمانيةُ د. مارينا هاوكه (Marina Hauke)، التى أخبرتنى فى آخر خطاب أرسلته لى، وكنت حينها أعمل فى السعودية فى تسعينات القرن المنصرم، أنها قد تزوجت. وكانت تقيم فى تركيا آنذاك، ولا أدرى لماذا أحسست أنها تزوجت تركيًّا. وقد سبق أن أهدتنى كذلك نسخة من رسالة الدكتوراه الخاصة بها. لذا وجب علىّ أن أنتهز هذه السانحة وأُعِيد توجيه الشكر لها على هذه الهدايا القيمة، ولعله يقدَّر لها أن تطَّلع على هذا المقال فتعرف أن المعروف لا يضيع.

ملاحظة: فيما يلى النص الفرنسى للمقال الذى ترجمتُه وعلقتُ عليه!

 

Le non mélange des eaux douces et salées

Dans le Coran, on parle en trois endroits d'une barrière séparant deux mers, l'une d'eau douce, l'autre d'eau salée, qui se rencontrent sans se mélanger (25:53, 35:12 et 55:19-20):

"Il (Dieu) a donné libre cours aux deux ondes, pour qu'elles se rencontrent ;comme il y a entre les deux une zone intermédiaire, elles ne s'en veulent pas. Eh bien, vous deux, lequel des bienfaits de votre Seigneur traiterez-vous de mensonge ?" Sourate 55:19-21

Le mot traduit ici par "zone intermédiaire" (barzakh) signifie "intervalle", "barrière", "fossé", "barre", "obstruction", "isthme".

"Et c'est Lui qui donne libre cours aux deux ondes : celle-ci, douce, rafraîchissante, celle-là, salée, amère. Et assigne entre les deux une zone intermédiaire et barrage barré." Sourate 25:53

"Les deux mers ne sont pas identiques: [l'eau de] celle-ci est potable, douce et agréable à boire, et celle-là est salée, amère. Cependant de chacune vous mangez une chair fraîche, et vous extrayez un ornement que vous portez. Et tu vois le vaisseau fendre l'eau avec bruit, pour que vous cherchiez certains [de produits] de Sa grâce. Peut-être serez vous reconnaissants" Sourate 35:12

Ces versets révéleraient selon certains interprètes musulmans, l'existence du non mélange des eaux fluviales dans la mer à l'embouchure car le mélange des eaux ne s'opère parfois que loin au large.

Cela est possible, mais ne sommes nous pas là devant une simple observation d'un phénomène naturel bien connu, qui est le non mélange immédiat des eaux de l'Euphrate et du Tigre avec celles de la mer, à leur débouché dans le golfe persique?

En effet, on peut observer à Bassorah (en Iraq), les eaux douces du Tigre se déverser dans l'Océan Indien. Dans la marée haute, on voit une masse d'eau salée de couleur verte côtoyant une masse d'eau douce de couleur rougeâtre sans qu'il y ait entre elles le moindre mélange.

Vous en conviendrez que ce spectacle impressionnant pour un homme d'aujourd'hui, devait l'être d'une plus ample mesure encore pour un homme du septième siècle!

Ceci dit, examinons ce que nous enseigne un conte de mythologie Babylonienne datant de plus de 3000 ans avant le Coran :

"A l'origine il n'y avait que Nammou, la mer primitive, l'océan cosmique. Elle engendra An et Ki, le ciel et la terre (...). Enki, enfin, parce qu'il est le dieu des eaux douces qui, en tant qu'elles s'opposent aux eaux salées de Nammou la mer primordiale, doivent être situées du côté du ciel, comme eaux de pluies". Conte babylonien

A cette lecture, nous constatons que le Coran n'a rien révélé!

De ce fait, si des musulmans aiment encore à alléguer, que ces versets coraniques révéleraient une vérité scientifique, il faudrait alors adopter la même attitude face aux textes mythologiques babyloniens, et en conclure qu'il y aurait là, une révélation divine faite aux Babyloniens, qui rappelons-le, sont polythéistes. Je ne pense pas qu'il faille en venir jusque là, mais simplement être honnête et se résoudre au fait que ces versets coraniques ne ressortent que d'une simple observation d'un phénomène naturelle, qui a été rapporté par d'autres hommes étant de civilisations antérieures de plusieurs millénaires à Mohammed.

Signalons aussi, que d'autres interprètes ont fait plus fort, et prétendent que le Coran révélerait ici l'existence de masses marines différentes l'une de l'autre, tant au niveau de la température, de la salinité, des organes vivant, de la solubilité de l'oxygène, ...

Examinons, ce que dit le Coran: celui-ci nous parle d'un non mélange d'eau douce (potable, rafraîchissante et agréable à boire) et d'une eau salée (amère). Le Coran n'indique en rien, la distinction de températures des eaux, des organes vivant, de la solubilité de l'oxygène. Ceci ne trouve aucune base dans le Coran alors que le Coran se dit être un exposé DETAILLE de TOUTE chose où RIEN n'est omis avec des versets bien clairs.

Le Coran parle juste d'une eau douce potable, et agréable à boire, mais cela n'existe pas des mers d'eau potable! C'est même un danger pour l'homme de croire en telles choses. En effet, boire de l'eau salée, risque de rendre la personne sujette à la folie...

Il n'est décidément pas bon pour le Coran d'y chercher des vérités scientifiques... D'autant plus que comme explicité, si malgré cela on accorde ici une révélation scientifique au Coran, il faut par conséquent agir de même vis-à-vis du mythe babylonien, et ainsi le Coran n'a rien révélé, mais a alors simplement répété ce qui a déjà été dit, ceci il y a plus de 3000 ans! Nous en arrivons toujours à la même conclusion, à savoir : être honnête et conclure que ces versets ne proviennent que de la simple observation d'un phénomène naturel.

En conclusion

Contrairement à ce qu'affirment certains commentateurs musulmans, de la lecture de ces versets, il ressort plutôt une méconnaissance scientifique et une ignorance qui considérées comme vérités scientifiques pourraient même mettre en danger la vie de personnes (voir eau de mer potable). Si néanmoins, certains refusaient de cesser de voir dans ces versets coraniques une révélation scientifique, il faudra en faire de même pour le conte babylonien... et ainsi, le seul miracle coranique se réduirait à répéter ce que d'autres ont déjà dit...


مزيد من القراءة