كتاب شهر: يونيو 2009

أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل

(1)
عام: 2009

يفترض الباحث في هذا الكتاب أن جميع المشاكل والنكبات التي أصابت الأمة، تعود إلى"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، أو بالأحرى "تخلف العرب عن اللحاق بالحضارة العالمية المتفجرة". وهذه الفرضية ليست جديدة، بل كانت وما تزال مطروحة منذ أول احتكاك مباشر للعرب بالحضارة الغربية منذ مطلع القرن التاسع عشر. وقد تجلت من خلال السؤال القديم الجديد المطروح بصيغ مختلفة منها:" لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون أو العرب؟".

وفي هذا الإطار يتفق المؤلف مع معظم المفكرين البارزين المعاصرين العرب، على أن "التخلف الحضاري"، الذي يعاني منه المجتمع العربي ، كان السبب الرئيس لجميع إخفاقات الأمة العربية قي مختلف الميادين التنموية، وبالتالي، لنكباتها المتلاحقة وخضوعها المزري. ومنهم على سبيل المثال فقط قسطنطين زريق ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي وزكي نجيب محمود وجورج طرابيشي ومحمد أركون وعبد الله العروي و محمد جابر الانصاري وهشام جعيط وعلي حرب وعلي الوردي وغيرهم. وإلى هذا الحد فإن المؤلف لا يقدم جديدا، ألـَّلهـمَّ إلا من حيث استشرافه مصير الأمة الآيلة إلى السقوط وربما الاندثار، إذا لم تتضافر الجهود المتـنورة لإنقاذها، كما أسلفنا. لأن أحدا من الكتاب لم يتجرأ على قول ذلك، حسب علمه، مع أن توينبي أشار إلى ذلك بوضوح.

ولكن الشيء الجديد والجدير بالمناقشة، في طروحات المؤلف، على الأرجح، هو أنه يعرض، نظريتين، تجذران وتفسران هذا التخلف، ونظرية ثالثة تحاول أن تعالجه. فالنظرية الأولى تسعى لإعادة السبب الرئيسي لظاهرة تخلف العرب(أصل الداء) إلى هذا "العقل المجتمعي" الذي يتجلى في القيم والمعتقدات والأعراف المسلـَّم بها، والذي تكوَّن من تراكم الموروث الخرافي والغيبي، الذي ساد خاصة الحقبة الأخيرة المظلمة التي أعقبت ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. وذلك بالإضافة إلى اللحظات المعتمة في التاريخ العربي الإسلامي، التي نتجت غالبا من تراكمات صراعات مجتمع البداوة(المجتمع القبلي) التي كانت سائدة في الجزيرة العربية، خاصة قبل ظهور الإسلام. وهي أمور حاربها الإسلام، دون جدوى، في الغالب، فظلت تختفي أحيانا، وتظهر أخرى بعنف فجر ما يسمى بـ" الفتنة الكبرى"، بتعبير طه حسين، مما خلق هذا الشرخ الكبير الذي ظل ينخر في هذا المجتمع حتى يومنا هذا، بدليل ما يحدث اليوم في العراق ولبنان. ومن هنا تنبثق النظرية الثانية في "بداوة العرب"، التي يفسرها بعدم مرورهم بمرحلة الثورة الزراعية، على نحو يكفي لتغيير القيم البدوية أو محوها. ويأتي بأدلة وشواهد من التاريخ القديم والتاريخ العربي الإسلامي على هذه الظاهرة، أشار إلى بعضها في هذا الجزء وفصَّلها في الجزء الثاني المنشور بشكل حلقات.

أما النظرية الثالثة التي تحاول أن تلقي ضوءا على علاج المرض فهي "نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل". وفيها يحاول الكاتب أن يضع بعض المؤشرات للوصول إلى تحرير "العقل العربي المنفعل"، من سجن "العقل المجتمعي، أو قيوده، التي يحملها الإنسان العربي، زينة ً وفخرا، في الغالب، وذلك عن طريق تنمية "العقل الفاعل" الذي يولد بشكل طبيعي مع الفرد، ولكنه يضمر تدريجيا من جراء قهر العقل المجتمعي أو سطوته. ويعتمد تطور المجتمع وتقدمه على مدى تحرر بعض أفراده أو نخبة متـنورة منهم، تتمرد على سدود وقيود العقل المجتمعي، وعلى قدرتهم على الصمود في وجه حُرَّاس ذلك العقل، ابتداء من الآباء إلى المعلمين والأساتذة. وقد قتل أو عوقب العديد من أفراد تلك النخبة باعتبارهم ضحايا هذا التمرد: ابتداء من سقراط وانتهاء بفرج فودة ونجيب محفوظ ومحمود محمد طه( السودان ) ونصر حامد أبو زيد وغيرهم. ومن جهة اخرى نجح بعض أفراد تلك النخب في إنشاء حضارات أو قيادة مواكبها. ومنهم الرسول محمد(ص) ومارتن لوثر وكوبرنيك وغاليليو، وغيرهم الكثير من أعلام عصر الأنوار والحداثة. وملخص القول يرى مؤلف الكتاب أن مشكلتنا الرئيسية هي "العقل"، وليست مشكلة فلسطين ولا العراق ولا لبنان إلخ . . . ولا حتى الاستعمار والإمبريالية أو "الآخر"، الذي نعلق على مشجبه جميع معضلاتنا الساخنة، دفعا للعتب وترضية للضمير، أو جهلا . "يفعل الجاهل بنفسه ما يفعله العدو بعدوه"، ويقول الشاعر: لا يدرك الأعداء من جاهل ما يدرك الجاهل من نفسه.

مزيد من القراءة