زينب فواز

لبنان

زينب فواز (1846-1914) ليست فقط كاتبة بارزة بل شخصية متعددة الجوانب، أثرت بعمق في الحياة الفكرية والاجتماعية في عصرها.
بل تُعتبر واحدة من أبرز الشخصيات النسوية في العالم العربي خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد عاشت زينب فواز في فترة كانت المرأة تعاني فيها من التهميش والقيود الاجتماعية، لكنها استطاعت أن تبرز كصوت قوي مدافع عن حقوق النساء، متسلحةً بالعلم والثقافة، ومن خلال قلمها الذي شكّل أداةً للتغيير.
وُلدت زينب فواز في قرية "تبنين" بجنوب لبنان لعائلة متواضعة. لم تكن عائلتها ميسورة الحال، مما جعلها تتعلم ذاتياً وتطور نفسها بعيداً عن القيود الاجتماعية المفروضة على النساء. بدأت حياتها كخادمة في منزل أحد الأمراء، لكنها لم تسمح للظروف بأن تحدّ من طموحها، حيث اغتنمت الفرص للتعلم من الكتب التي كانت تجدها في المنزل.
 تزوجت زينب فواز  في سن مبكرة من رجل يُدعى "أديب نظمي"، لكنها لم تكن سعيدة في زواجها الأول، حيث كان زواجاً تقليدياً لم يستوفِ طموحاتها الفكرية. انفصلت عنه لاحقًا
جاءت زينب إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي كانت تشهد نهضة ثقافية وفكرية، خاصة في القاهرة والإسكندرية.
تزوجت زينب مرة أخرى من رجل مصري ولكنها سرعان ما انفصلت عنه وكانت لم تتخط الثامنة عشر من عمرها، وظلت بلا زواج وتعيش مستقلة حتى نهاية حياتها
مصر كانت بالنسبة إليها  المكان الذي وجدت فيه مساحة أكبر للتعبير عن آرائها النسوية ومناقشة القضايا الاجتماعية، فانخرطت في العمل الأدبي والصحفي، حيث كتبت في عدة صحف ومجلات مثل المقتطف والهلال،
وأصبحت زينب جزءًا من الحركة الأدبية المزدهرة، وكانت تعيش حياة متواضعة لكنها مليئة بالنشاط الثقافي والاجتماعي. كونت علاقات فكرية وأدبية مع العديد من الأدباء والمفكرين الذين شجّعوا أفكارها ودعموها في مسيرتها، وكانت تُعرف بشخصيتها القوية وبأسلوبها الحاسم في طرح القضايا النسوية.
حتى أنها أوقفت "مصطفى كامل" ثلاث مرات أثناء خطاب من خطاباته حيث كان يبدأ بـ "أيها السادة..." وقالت له "أنني "سيدات" .. " وكانت السيدة الوحيدة الموجودة وسط حشود الرجال، ولكنها لم تتخل عن موقفها حتى قال "أيها السادة والسيدات ... " والتي تم اعتمادها حتى اليوم.
زينب فواز لم تكن نسوية بالمفهوم الغربي فحسب، بل كانت تقدم رؤيتها النسوية من منطلق ثقافي إسلامي وعربي، فقد استندت في دفاعها عن حقوق المرأة إلى النصوص الإسلامية والتاريخ العربي، مما أكسب أفكارها قبولًا واسعًا في أوساط مختلفة.
وكان من أهم ما نادت به وكتبت عنه وفعلته واقعيا:
1.الدفاع عن تعليم المرأة: إذ كانت من أوائل المدافعين عن حق الفتيات في التعليم، ففي مقالاتها وكتاباتها، أكدت أن تعليم المرأة هو الطريق إلى تحررها ورفع مكانتها الاجتماعية.
2. مناهضة الزواج القسري: انتقدت زينب فواز الزواج القسري والتقاليد التي كانت تنتهك حقوق النساء، وطالبت بأن يكون الزواج مبنيًا على التفاهم والاختيار الحر. وقد جسدت هذه القضايا بشكل مؤثر في روايتها حُسن العواقب أو غادة الزاهرة.
3. التصدي لتعدد الزوجات: فقد كانت زينب فواز من أبرز الأصوات النسوية التي دعت إلى تقنين تعدد الزوجات أو منعه، لأنه يُلحق الضرر النفسي والاجتماعي بالمرأة.
4. إبراز دور المرأة في التاريخ: من خلال كتابها "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور"، عملت على تسليط الضوء على النساء المؤثرات في التاريخ ، مشددة على أن النساء لعبن أدوارًا بارزة عبر التاريخ.
5. العمل والمشاركة الاقتصادية: وقد أكدت أن على المرأة أن تكون شريكة اقتصادية، ليس فقط كأم وزوجة، بل كعنصر فعّال يساهم في تنمية المجتمع.
وفي المجال الادبي والصحفي كانت زينب فواز  كاتبة غزيرة الإنتاج، وتركزت كتاباتها على القضايا النسوية والاجتماعية والأدبية، وقد ارتبط اسمها بمجلات وصحف عدة مثل المقتطف والهلال، حيث نشرت مقالاتها التي دافعت فيها عن تعليم المرأة وحقها في العمل والمشاركة في الحياة العامة.
وكذا كانت زينب فواز  شاعرة وروائية
فقد أبدعت في مجال الرواية، الشعر، والنقد الاجتماعي، وكانت كتبها وأعمالها جزءًا من النهضة الأدبية والفكرية في العالم العربي، وأعمالها تعكس شجاعتها في طرح القضايا التي كانت تُعتبر من المحرمات في زمانها.
ففي كتابها "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" الذي يُعَدّ موسوعة عن النساء الشهيرات في التاريخ الإسلامي والعالمي. تناولت زينب فواز  سير النساء البارزات عبر التاريخ، وكانت تهدف إلى إظهار دور المرأة الفاعل في المجتمع، متحدية الأفكار السائدة التي تُقصي النساء عن صفحات التاريخ، وهذا الكتاب يُعتبر أول كتاب نسوي عربي من نوعه، حيث سلط الضوء على إنجازات النساء، وقد استندت فيه إلى المصادر التراثية، مما أعطاه موثوقية وقيمة تاريخية.
ثم تأتي روايتها "حُسنّ العواقب أو غادة الزهراء" والتي تُعتبر أول رواية كتبتها زينب فواز، وتُعتبر واحدة من أقدم الروايات العربية بل نستطيع القول انها اول رواية بالمعنى المتكامل لهذا النوع الادبي وقد صدرت في طبعتها الأصلية في العام 1899( وقد أصدرت انا هذه الرواية من نسخة الرواية الاصلية الخاصة بي وكان ذلك في العام 2003 ضمن سلسلة ابداع المرأة والذي كان مشروعي الشخصي وكنت قد نفذته من خلال هيئة الكتاب تحت رئاسة الدكتور سمير سرحان) وتدور الرواية حول قصة فتاة شابة تُجبر على الزواج من رجل لا تحبه، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المأساوية، وقد ناقشت قضايا مثل الزواج القسري والحرية الشخصية،
واستعرضت بجرأة قضايا المرأة في مجتمع محافظ، مما جعل الرواية علامة فارقة في الأدب النسوي.
وديوان شعر زينب فواز الذي يضم   قصائد كتبتها بأسلوب أدبي مميز، تتناول فيها موضوعات متنوعة مثل القضايا الاجتماعية والوطنية والغزل، واستخدمت زينب فواز الشعر كوسيلة للتعبير عن رؤيتها للعالم وللدفاع عن حقوق المرأة، ويعكس الديوان قدرة زينب على استخدام الشعر كأداة للتأثير الاجتماعي.
وكان لزينب فواز مقالات منشورة في الصحف والمجلات كما أسلفنا، فقد نشرت زينب فواز العديد من المقالات في الصحف العربية مثل المقتطف والهلال. ركزت هذه المقالات على قضايا المرأة، التعليم، والإصلاح الاجتماعي، وكانت مقالاتها منصة للتعبير عن آرائها النسوية، وقد ساهمت في نشر الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين.
اما كتابات زينب فواز غير المكتملة والتي كانت قد بدأت العمل فيها، كانت مشاريع أخرى في مجال الأدب والفكر، ولكنها لم تُكملها للاسف
وأخيرا فإن زينب فواز تُعدّ صوتًا استثنائيًا في زمنها، حيث وضعت الأساس للحركة النسوية في العالم العربي. كانت كتاباتها منبرًا لإلهام النساء للبحث عن حقوقهن. رغم التحديات التي واجهتها، استطاعت أن تترك أثرًا لا يُمحى.
فما يُميز زينب فواز أنها كانت تُخاطب العقل العربي من خلال حجج منطقية وباستخدام أمثلة من التراث، مما جعل أفكارها تُقبل بين أوساط الرجال والنساء على حد سواء.
زينب فواز ليست فقط شخصية تاريخية، بل هي رمز للكفاح ضد الظلم الاجتماعي والثقافي. إرثها الفكري يبقى شاهدًا على أن النساء في العالم العربي كن دائمًا جزءًا فاعلًا من حركة التغيير، وأنهن قادرات على قيادة المجتمع نحو مستقبل أكثر عدلًا ومساواة.

شكر خاص للكاتبة عفاف السيد لمساهمتها في إعداد هذه الصفحة