حمدي قنديل في مذكراته : السيسي وشفيق وشرف

فى أحد أيام مارس 2011، تلقيت مكالمة من مكتب اللواء عبدالفتاح السيسى عضو المجلس العسكرى ومدير المخابرات الحربية حددت لى موعدا لمقابلته. يومها عبرت الشارع إلى مبنى المخابرات المواجه لبيتى، فوجدته فى انتظارى أعلى السلم المؤدى لمكتبه، كانت هذه أول مرة ألتقى فيها واحدا من أعضاء المجلس الذى كنا نعتبره حينئذ حامى الثورة، وكان انطباعى الأول عندما رأيت الرجل أنه متواضع، دمث الخلق، خفيض الصوت. استغرق لقاؤنا نحو ثلاث ساعات، دار فيها الحديث حول المجلس العسكرى واستيائه قبل الثورة من الأوضاع التى كانت قائمة، ومما كان يدور من حديث حول التوريث، وقال إنه على الرغم من ذلك كله لم يفكر المجلس لحظة فى الانقلاب على الحكم «لأن الانقلاب غير وارد فى عقيدة القوات المسلحة»، وأخذ يذكرنى بأنه عندما حانت الفرصة بادر الجيش بإعلان موقفه عن طريق المتحدث باسمه عندما قال فى 31 يناير إن «القوات المسلحة لن تستخدم القوة ضد المحتجين، وأن حرية التعبير مكفولة لكل المواطنين الذين يستخدمون الوسائل السلمية»، وبما اتخذته القوات المسلحة من إجراءات بعد ذلك. تحدثنا كثيرا عن الأوضاع القائمة، وقال إنه يود أن يعقد اجتماعات أسبوعية مصغرة مع بعض الشخصيات المرتبطة بالثورة ليجرى معها نقاشا حول المستقبل، وطلب منى مقترحات فى هذا الأمر، كان حديث الرجل يوحى بأنه يمسك من الخيوط قدرا أكبر مما كنت أظن، وبأنه يستطيع ترتيب أفكاره جيدا.

فى النهاية قال إن المشير يثق بى كثيرا، ويريد منى أن أقدم برنامجا يوميا فى التليفزيون، رحبت، وسألت: «متى؟».. قال: «يريدك أن تبدأ غدا»، استمهلته يومين أرتب فيهما أفكارى وأجرى اتصالاتى.

العودة إلى التليفزيون حَضَّرت مذكرة بحاجيات التحرير والإنتاج فى صفحة واحدة، وذهبت بها فى اليوم التالى إلى المخابرات، ولما لم أجد اللواء السيسى سلمتها لمساعده اللواء عباس كامل قبل أن أتوجه إلى المنصورة للمشاركة فى المؤتمر الذى نظمه الدكتور محمد غنيم للدعوة للتصويت بلا فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية. عدت بعد هذه الزيارة حانقا على المجلس العسكرى الذى يخطو لتسليم البلاد إلى الإخوان، لكننى وجدت أن الأمانة مع المشير ومع اللواء السيسى تقتضى منى الاعتذار عن تقديم البرنامج. كان الدكتور سامى الشريف فى ذلك الوقت يرأس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهو أستاذ بارز فى الإعلام، وإن لم تكن لديه خبرة عملية كافية، وكان قد لاقى مصاعب جمة لم تمكنه من تحقيق إنجاز ملموس. ويبدو أنه رأى أن أسرع وسيلة يحس بها الجمهور العام أن التليفزيون قد التحق بركب الثورة هو أن يجرى تعديلا جذريا على برنامج التليفزيون الإخبارى الرئيسى «مصر النهارده»، أو استبداله ببرنامج آخر تقدمه وجوه ارتبطت بـ 25 يناير، وهكذا اتصلت بى شركة «صوت القاهرة» التابعة للاتحاد بعد شهر من لقائى باللواء السيسى، واقترحت عليَّ تقديم برنامج جديد. أخذت أُقَلِّبُ طويلا فى الامر، وأخيرا قررت أن أستكشف سقف الحرية المتاح، فأخذنا فى الإعداد للبرنامج عدة أسابيع، واتفقنا على تقديمه باسم «قلم رصاص»، واخترت الطاقم المعاون، وتم تصميم وتسجيل العناوين، وجاء للقائى فى «صوت القاهرة» الدكتور الشريف والأستاذة نهال كمال التى كانت رئيسة التليفزيون عندئذ؛ ليطمئنا أن الأمور تسير على ما يرام. الحق أن اللواء سعد عباس رئيس الشركة يَسَّرَ لى كل إمكاناتها، وأحاطنى بكثير من الود، ولكنه عندما اقترب الموعد المحدد لإطلاق البرنامج فى مايو 2011 كنت قد أصبحت أقل ثقة فى قدرة المجلس العسكرى على إدارة البلاد، وفى مدى تحمله لحرية التعبير فى تليفزيون الدولة الرسمى. وكانت الصحف عندئذ تحمل لى كل يوم خبرا يفيد بأن هناك معارضة شديدة بين العاملين فى ماسبيرو لتقديمى برنامجا فيه؛ بدعوى أن الفرصة يجب أن تتاح لأبناء التليفزيون الذين لم يعتبرونى واحدا منهم. ووصل الأمر بتشكيل سمى نفسه «ثوار ماسبيرو» حد الاعتصام احتجاجا، بل وقدم «الثوار» بلاغا إلى النائب العام ضد المذيعة هالة فهمى لأنها تجاسرت ونادت بالاستعانة بى. لم يغضبنى ذلك كله، ولكننى رثيت لحال هؤلاء الذين لم يعوا أننى كنت أصعد إلى مكتبى فى ماسبيرو على السقالات فى عام 1960، قبل أن يبدأ التليفزيون إرساله بشهور، ومع ذلك كنت أتفهم طموحات الشباب الذين يقدمون البرامج، بل وكنت أقدر عددا من الموهوبين منهم الذين بذلوا بعد الثورة جهدا أعلم أنه شاق، ليبثوا الحياة فى التليفزيون الذى حنطه عهد مبارك. أوقفت تقديم برنامج «صوت القاهرة»، إلَّا أننى لا أزال أذكر مقالا للأستاذ عبدالرحمن فهمى، فى جريدة «الجمهورية» قال فيه إن الثورة تأكل رجالها، وكذلك مقالا للأستاذة منال لاشين فى جريدة «الفجر»، شككت فيه فى أهداف «ثوار ماسبيرو» وفى رغبتهم فى الاستئثار بما يقال عن كعكة المال داخل المبنى المفلس، كما أذكر أيضا نداء الشاعر جمال بخيت بيومى لى ألَّا أترك ماسبيرو للبوم والغربان وأعداء النجاح، وأذكر قبل ذلك وبعده مواقف العديد من الزملاء فى ماسبيرو الذين تصدوا لأصحاب الأصوات الزاعقة.

وجها لوجه مع شفيق اكتفيت فى تلك الشهور الأولى التى تلت قيام الثورة بالظهور فى بعض برامج التليفزيون، مثلما فعلت فى المناقشة الشهيرة مع الفريق أحمد شفيق عندما دعتنى « ON TV » مع الدكتور علاء الأسوانى ضيوفا على يسرى فودة وريم ماجد بحضور نجيب ساويرس، كان ساويرس يومها يخشى أن أكون عنيفا مع الفريق شفيق، لكن الأسوانى خدعه وهاجم شفيق بضراوة فى حين كنت أكثر برودا مما كان يظن. حافظت على هدوئى لسببين؛ أولهما أن أوازن انقضاض الأسوانى الساحق على الفريق شفيق، أما السبب الثانى فلم يكن يعلم به أحد؛ إذ إننى كنت قد قابلت شفيق فى مكتبه بعد أن كلف بتشكيل الوزارة، وصارحته بكل ملاحظاتى. كان قد تأكد يومها أن الدكتور يحيى الجمل مرشح لمنصب نائب رئيس الوزراء، فتشاورت فى الأمر مع الدكتور عبدالجليل مصطفى وقررنا الذهاب إليه لحثه على رفض المنصب؛ لأننا كنا نرى أن أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، التى كان الدكتور الجمل واحدا من قياداتها، يجب ألَّا يتعاونوا مع حكومة شفيق التى عينها مبارك.

ذهبنا إلى الدكتور الجمل فوجدناه جالسا مع الدكتور أحمد البرعى، جاء الدكتور البرعى ليبلغه أنه مرشح لتولى إحدى الوزارات، وأن زوج ابنته الدكتور هانى سرى الدين مرشح لوزارة أخرى، وأنه يرى أن هذا لا يليق؛ لذلك فهو يفضل الانسحاب، ويريد أن يسمع رأى الدكتور الجمل فى الأمر. بعد أن انصرف الدكتور البرعى أبلغنا الدكتور الجمل رسالتنا بوضوح، فقال إنه عازف عن المشاركة فى الوزارة خاصة أن صحته لا تسمح بذلك، ولكنه محرج أمام إصرار الفريق شفيق الذى زاره فى مكتبه فى اليوم السابق، ولم ينصرف إلَّا بعد أن أخذ منه وعدا بالموافقة. خرجت إلى غرفة مجاورة قابلت فيها ابنته الدكتورة مها، المحامية هى الأخرى؛ لتعيننا فى مسعانا لدى والدها، فقالت إنها أبلغته رفضها لمشاركته فى وزارة شفيق لكنه لم يستجب، فاتصلت بواحد من أقرب أصدقائه، المهندس حسب الله الكفراوى، الذى رد قائلا: «قلت له امبارح بلاش فى آخر أيامنا نغلط، لكن الظاهر مفيش فايدة». عاودت مع الدكتور عبدالجليل الضغط حتى اتجه لى الدكتور الجمل وقال: «أنت تعرف الفريق شفيق جيدا، لماذا لا تذهب إليه، وتشرح له حالتى الصحية، وتطلب منه أن يعفينى من وعدى له؟». اتصلت بمكتب الفريق شفيق وطلبت تحديد موعد لأمر عاجل، وعدت إلى البيت ظنا منى أن الموعد سوف يحدد بعد عدة ساعات على أفضل تقدير، لكننى تلقيت مكالمة من مراسم رئاسة الوزارة وأنا فى طريقى، أبلغونى فيها أن الموعد بعد ساعة، فعدت من حيث أتيت. دخلت مجلس الوزراء فأخذ الصحفيون يسألوننى إذا ما كنت سأقبل منصب وزير الإعلام وأنا الذى طالبت مرات بإلغاء الوزارة، وسألنى أحدهم: ما أول إجراء سأتخذه عندما أتولى المنصب؟ وهنأنى بعض أمناء الرئاسة وتمنوا لى التوفيق، وبالطبع لم يصدق أحد من هؤلاء أننى جئت لأمر آخر فى الوقت الذى يتقاطر فيه على المجلس المرشحون للمناصب الوزارية المختلفة. كنت أعرف الفريق شفيق منذ زمن، وكان بيننا ود وتقدير متبادل، قلت له عند دخولى إليه: «أنت تعلم جيدا أننى سأكون صريحا وأمينا معك، تعلم كم أقدرك، وأرى أنك واحد من أفضل من يمكنهم تولى مثل هذا المنصب، لكن ذلك كان فى الماضى، الآن، شئت أم أبيت، أنت محسوب على مبارك، وزمن مبارك قد ولى، وسوف نظل نطارد رموزه، ولا أريد لك أن تتحمل ما سوف تتحمله؛ لذلك أنصحك يا سيادة الفريق بالاستقالة مهما كان الحرج فى ذلك، سوف تواجه ما تأباه على نفسك إذا ما بقيت فى هذا الكرسى»، صمت شفيق قليلا، وشكرنى على إخلاصى معه، وقال فى النهاية ما خلاصته إنه كجندى لا يمكنه الانسحاب من المعركة، وإننى متشائم أكثر مما يجب. قلت: «على أى حال لم يكن فى نيتى أن أكدر عليك يومك بالحديث عن هذا الأمر على الإطلاق، والحقيقة أننى قدمت إليك فى أمر آخر يتعلق بالدكتور يحيى الجمل». أسهبت فى الحديث عن العملية الجراحية التى أجريت له قبل أسابيع، وعن الأمراض التى يعانى منها، ورجوته ألَّا يضغط عليه كثيرا بينما هو فى فترة النقاهة. كان الدكتور الجمل حينئذ فى قاعة الاستقبال ينتظر موعده المحدد سلفا مع الفريق شفيق، وكان لقائى بالفريق قد تعدى المدة المقررة له بنحو ثلث الساعة، وعندما خرج ليودعنى، وجدت الدكتور الجمل ينتظر الدخول. همس يسألنى: «قلت له كل حاجة؟»، قلت: «وأكتر». بقية الحكاية قالها لى الدكتور الجمل فيما بعد، تحدد موعد حلف اليمين فى اليوم التالى، وعندما حاول الاعتذار مرة أخرى اصطحبه الفريق شفيق فى سيارته، وقال: «تعالَ معى الآن، وبلغ المشير اعتذارك بنفسك». بالطبع لم يكن هناك مجال للاعتذار، شكلت الحكومة، وعين الدكتور الجمل نائبا لرئيس الوزراء، وعانى الفريق شفيق ما عانى، حتى كان لقاؤنا فى ON TV الذى استقال فى اليوم التالى له، وعين الدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء.

عصام شرف كنت على اتصال دائم مع الدكتور شرف منذ ترك وزارة النقل فى عهد مبارك، وقتها كنت أقدم برنامجى فى دبى، وأردت أن أستضيفه فى إحدى حلقاته بعد أن فاز بإحدى الجوائز الدولية المرموقة، لكنه اعتذر عندما أبلغته أننى سوف أسأله أيضا عن خروجه من الوزارة، ومع ذلك حرصنا على التواصل. صدمت عندما كلف بتشكيل الوزارة لأن خبرته لم تكن تؤهله لهذه المسئولية؛ ولأن هناك من هو أقرب منه إلى الثورة وأقدر. صحيح أنه كان من الوزراء السابقين القلائل الذين ظهروا فى ميدان التحرير، لكنه لم يتأكد لى أنه قاد، كما كان يقال، مظاهرة أساتذة جامعة القاهرة التى سارت إلى ميدان التحرير فى الأيام الأولى للثورة، بل إن بعضا من رموز حركة 9 مارس أبلغونى أنهم لا يعرفون إذا ما كان قد شارك فى المظاهرة أم لا، والأرجح أن ترشيحه للحكومة بدأ بورقة سربها إلى ميدان التحرير اللواء حسن الروينى قائد المنطقة المركزية وعضو المجلس العسكرى ضمت ثلاثة أسماء يرشح الميدان واحدا منهم لرئاسة الوزارة. على الرغم من ذلك كنت أعرف أن الدكتور شرف شخصية نقية وجادة، وإن لم يكن حازما بما فيه الكفاية. أيدته آملا أن يوفق، وأعلنت بعد عدة أشهر من توليه المنصب مساندتى له وتحفظى فى الوقت نفسه فى مقال كان عنوانه «نعم لعصام شرف بشرط»، ولكننى بعد شهور أخرى طلبت منه أن يستقيل عندما كان هناك اتجاه قوى لتطبيق العزل السياسى على أعضاء لجنة سياسات الحزب الوطنى، وكان شرف عضوا فى هذه اللجنة. وقد عطل تنفيذ العزل عندئذ السؤال الذى كان يدور فى الكواليس: «ونعمل إيه فى موضوع عصام شرف؟»، هكذا كان اقتراحى أن يرفض هو الاستثناء ويستقيل، ولكنه لم يفعل، وفى النهاية اضطر إلى تقديم استقالته فى 21 نوفمبر 2011.

فى عزاء خالد عبدالناصر عندما ذهبت إلى عزاء الصديق خالد عبدالناصر، وعلى الرغم من حدة أسلوبى فى انتقاد المجلس العسكرى والحكومة، فإن اللواء إسماعيل عتمان مدير إدارة الشئون المعنوية وعضو المجلس العسكرى جاءنى ليقول: «يا أستاذ حمدى، سيادة المشير عاوزك تطلع تقدم برنامج فى التليفزيون، أنت تعلم كم يقدرك»، قلت إننى آسف لعدم تلبية دعوته للمرة الثانية، ولكننى لا أملك من أمرى شيئا لأننى تعاقدت بالأمس فقط مع قناة «التحرير»، وليس هناك من حل كما أعتقد إلَّا أن يتفق التليفزيون مع القناة على بث البرنامج فى وقت واحد، فوعدنى بأن يرى كيف يتم ذلك ويرد عليَّ فى الصباح. وعند خروجى من العزاء التقيت باللواء سمير فرج مدير الشئون المعنوية الأسبق ومحافظ الأقصر عند قيام الثورة، وكنت قد قابلته فى عشاء دعا إليه الدكتور الأسوانى قبل اندلاع الثورة بأسابيع، وقلت له يومها: «نحن نثق بك، ونرجو منكم أنتم كبار الضباط أن تتخذوا الموقف الذى ترتضيه ضمائركم فى اللحظة المناسبة»، ولم أضف إلى ذلك كلمة، واكتفى هو بالقول: «إن شاء الله، سنكون أهلا لثقة الشعب».

اجتماع مع الرئيس منصور عندما دعا الرئيس عدلى منصور فى يوليو 2013 القوى الوطنية إلى مؤتمر حول «المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية»، طلبت الكلمة فى بداية الجلسة وقلت إن لديَّ نقطة نظام، كيف يدعو جناح من الدولة (كنت أقصد الفريق أول السيسى) الشعب المصرى للنزول يوم الجمعة القادم لتفويض القوات المسلحة لمواجهة العنف والإرهاب، فى حين يدعو جناح آخر اليوم للمصالحة؟ وقلت إن الحديث عن المصالحة لا يجدى فى الظروف القائمة، واقترحت فض الاجتماع رسميا، وإن كان من الممكن استمراره لمناقشة الوضع العام. علق المستشار عدلى منصور قائلا إنه يتفق مع وجهة نظرى تماما، ولكنه يفضل أن يترك القرار للمجتمعين، فضل الحضور أن يواصلوا الكلام، كانت هذه هى المرة الأولى التى أقابل فيها رئيسنا المؤقت، فاجأنى بانطلاقه فى الحديث وسرعة بديهته، وكذلك بحزمه وسماحته فى آن، تمنيت يومها أن تطول رئاسته سنة أخرى أو اثنتيْن.

عندما قامت الشرطة بفض اعتصام رابعة، يومها اتصلت بوزيرة الإعلام أقترح عليها أن أقدم «تعليقا فى برنامج قصير شبه يومى بلا مقابل فى ضوء الظروف الحاسمة». كان هذا نص رسالة SMS أرسلتها إليها عندما تعذر الاتصال بها، وانتظرت عدة أيام بلا جدوى، فطلبت من المخرج عبدالرحمن حجازى، الذى كان مخرجا تنفيذيا لبرنامجى «رئيس التحرير»، أن يذهب إلى مدير مكتب الوزيرة لإبلاغه أننى حاولت الاتصال بها فوجدت هاتفها مغلقا، فأرسلت لها رسالة، أرجو أن تكون قد وصلتها، علل الرجل تعذر الاتصال بأن شاشة تليفون الوزيرة «بايظة»، وقال إنها لا بد ستتصل بى فى اليوم ذاته. لم أسمع من الوزيرة فى الأيام الخمسة التالية، وعندها تصادف أن اتصل بى الأستاذ جابر القرموطى فى برنامجه «مانشيت» لأعلق على بعض الأحداث السياسية، فرويت له ما جرى مع الوزيرة دون أن أعلق بكلمة، فما كان من القرموطى إلَّا أن عَنَّفَ الوزيرة تعنيفا قاسيا، زاد من حدته سخريته من التليفون وشاشته «البايظة». فى حديث للأستاذ محمد عبدالقدوس معها نشره فى «أخبار اليوم»، قالت الوزيرة إن سبب زعلها منى هو أننى قلت كلاما لا يجوز فى حقها وأساء إلى شخصها فى إحدى الفضائيات الخاصة.. لكن مجلة «آخر ساعة» نشرت مقالا للأستاذ عبدالرازق حسين كان عنوانه: «هل أصبح حمدى قنديل محظورا فى ماسبيرو؟». سواء كان حل اللغز هو أن الوزيرة اتخذت قرارا متعلقا بالعمل بسبب زعلها من أمر شخصى، أو أنه كان بسبب خشيتها مما يمكن أن أقول فى البرنامج المقترح، أو بسبب تدخل من مدير مكتبها الذى كان مديرا لمكتب الوزير الأسبق أنس الفقى أو لأى سبب خافٍ آخر، فالمثير للأسف فى النهاية أن صوتى لم يحجب فقط فى ظل نظام مبارك، ولكن أيضا فى عهد ما بعد 30 يونيو.. ذلك هو الفصل الأخير الساخر.. النهاية المثلى لدراما الفصول السابقة من هذا الكتاب!.. لكن.. كيف يكون الفصل الأخير، والستار لم يسدل بعد؟!