على عطا في حديث مع منى برنس

أكتب بجرأة لأخدش الحياء الذكوري

حوار مع الكاتبة المصرية منى برنس أكتب بجرأة لأخدش الحياء الذكوري

علي عطا - القاهرة ديسمبر 2009 المصدر لها

في روايتها الثانية «إني أحدثك لترى» الصادرة عن دار «ميريت» في القاهرة، تكتب منى برنس رواية حب من أولها إلى آخرها. لكن المسألة لا تتعلق بموضوع الرواية فقط، كما يلاحظ الناقد حسين بن حمزة، فتلك الرواية مكتوبة بطريقة تجعل السرد قريباً من الكلام والحوارات التي تُتبادل في الحياة اليومية العادية. وإضافة إلى تلك الرواية الجريئة في بعض تفاصيلها، صدرت لمنى برنس من قبل رواية تحت عنوان «ثلاث حقائب للسفر» ومجموعتان قصصيتان «قطعة الطين الأخيرة» «قصر نظر رائع». ومنى برنس التي تعد من أبرز كتاب جيل التسعينات في مصر حاصلة على دكتوراه في الأدب الإنكليزي وتمارس التدريس في إحدى الجامعات المصرية، وكانت ضمن المرشحين في مسابقة «بيروت ٣٩».

- تبدين وكأنك تكتبين لمتعتك الشخصية؟ نعم أكتب لمتعتي الشخصية. تبدأ المسألة بأن يكون هناك موضوع أريد أن أكتبه. أفكر بعمق قبل الشروع في الكتابة، وأحس بسعادة بالغة كلما انتهيت من كتابة مقطع حلو! أكتب لمزاجي الشخصي أولاً وأخيراً، ولكن لا بأس إذا ما تحقق من وراء الكتابة عائد مادي، فهذا سبب إضافي بلا شك للشعور بالمتعة.

- تبدين أيضاً وكأنك تسجلين ما حدث بالفعل وكأن الكتابة صنو الحياة؟ إلى أي مدى تتكئين على الخيال؟ الكتابة عندي تنطلق من الواقع وأعمل عليها بدماغي، كي لا يبدو الموضوع الواقعي شيئاً فانتازياً. أعيش الموضوع جيداً، فتتولد أفكار تخصني بشأنه بعدما أطلع على مصادر شتى للمعرفة.

- «عين» بطلة «إني أحدثك لترى» تتصرف بجرأة تتجاوز كونها فتاة تعيش في مجتمع محافظ، إلى أي مدى تشبهك؟ هذا أمر لم أفكر فيه من قبل، فانشغالي الأساسي عند كتابة هذه الرواية انصب على رسم العلاقة التي تربط بين بطليها «عين» و«علي»، وبالتالي قد تشبهني في أمور ما، لكنني أود أن أؤكد هنا أن هذا لم يكن مقصوداً على الإطلاق. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال أنه لا يوجد وصف حسي لهذه الشخصية ولا لغيرها من شخصيات العمل.

- قصة الحب التي تحكيها الرواية تبدو شديدة النمطية. هل تعتقدين أن مشاعر الحب بين رجل وامرأة في مجتمع عربي لا بد أن تكون نمطية تقوم على الكر والفر والمراوغة؟ أنا لا أراها قصة نمطية كتلك التي تنتهي إما نهاية سعيدة أو نهاية مفجعة. وأظن أن بطلة الرواية «عين» لم تكن تعرف أن هدفها النهائي هو الحب وليس الزواج، ولذلك أنا، ككاتبة، اخترت أن يكون المشهد الأخير في الرواية بجوار قبر حبيبها لأؤكد أن البقاء للحب كمبدأ رغم كل المشكلات، وأن شخصية «عين» تتسم بالقوة رغم ما كان يعتريها من ضعف في كثير من الأحيان.

- تخوض بطلة روايتك مغامرات عاطفية كثيرة أثناء تأزم علاقتها الخاصة مع بطل الرواية، ألا ترين في ذلك تناقضاً غير مبرر؟ التناقض موجود على كل الأصعدة، وثمة ظروف تساعد على إبرازه بدرجات مختلفة، وأنا قصدت إبراز ذلك التناقض لتأكيد أصالة الحب في العلاقة الأساسية وقدرته على الصمود حتى بعد الدخول في علاقات فرعية متطرفة إذا جاز التعبير. نحن في هذه الرواية أمام قصة حب اختبرت بقسوة وصمدت، وأنا شخصياً أعجبني وصف «عين» لاتصال «علي» الحميم بها بأنه «صلة رحم»، واعتقد أنه وصف جديد على مستوى العلاقات الحميمة التي تربط بشراً ليست بينهم أصلاً صلة رحم، وهذا ما جعل محددة علاقة أساسية في موازاة علاقات أخرى عابرة خاضتها البطلة ربما بمنطق «داوها بالتي كانت هي الداء». المختلف هنا هو أن البطلة حولت ذلك المثل الذكوري إلى مثل نسوي، وأنا بدوري ككاتبة جعلت البطل يتقبل دخول حبيبته في علاقات عابرة بما يناقض قيم المجتمع الذكوري الذي يعيشان في ظله.

- ولكن ألا ترين أنك بذلك تتعمدين الجرأة لمجرد أن يقال إنك جريئة؟ كان همي أن أقدم كتابة مختلفة ليس فيها ادعاء. والجرأة هنا حققت هدفها وهو خدش الحياء الذكوري من دون أن تتضمن الرواية أي لفظ خارج.

- قدمت وصفاً مستفيضاً لعلاقة «عين» و«أبوللو» رغم أنها علاقة شديدة التطرف في حميميتها، هل جاء ذلك بوعي منك تجاه ما يسمى كتابة الجسد؟ أنا في السرد أقوم بعمل حيادي، والاستفاضة هنا أراها الآن كقارئة أمراً مطلوباً لتوضيح الفرق بين علاقة ترقى إلى صلة الرحم، وأخرى هدفها التحرر من الألم. تفكيري انصب منذ البداية على كتابة رواية عن الحب وهذا العمل استغرق مني ست سنوات غيرت وبدلت خلالها أشياء كثيرة، وأثناء الكتابة كانت تتحدد رغماً عني مصائر الشخصيات. وأنا على أية حال لست مع أو ضد ما يسمى كتابة الجسد. أكتب ما تفرضه الرواية، وهنا أود أن أقتبس مقولة رولان بارت: «الكتابة لا ترحم». ألجأ إلى كل ما اعتقد أنه يخدم الرواية ويساعدني في نقل رؤيتي، فولائي هو أولاً وأخيراً للكتابة.

- كيف تنظرين إلى صناعة الفخار التي تمارسينها في الوقت الراهن؟ هي عمل موازٍ للكتابة، فأنا أقيم في قرية «تونس» التابعة لمحافظة الفيوم في جنوب القاهرة وسط محيط من الخزافين، مما جعلني أحلم منذ كنت طفلة بأن أتعلم صناعة الآنية الفخارية والخزفية. وفعلاً تعلمت هذه الحرفة أخيراً وأصبح عندي ورشة تساعدني على استخدام وسيط إبداعي مختلف عن الكتابة للتعبير عن مشاعري وأفكاري. وهذا عمل أقوم به أيضاً لمزاجي الشخصي وإن كان يحقق لي عائداً مادياً مضموناً على عكس الكتابة التي أدفع للناشر ليقبل نشرها.

- تحرصين على العيش المباشر مع الناس، وتجلى ذلك في تجربة تطوعك لمؤازرة المقاومة اللبنانية في صيف ٢٠٠٦. وتتخلل الرواية حالة شعرية مرهفة ألم تفكري في أن تصدري ديوان شعر؟ أنا لست شاعرة، وأرى مع ذلك أن الرواية قادرة على أن تتضمن نصوصاً شعرية، ومن ثم لا حاجة الى إصدار ديوان شعر. وأنا أؤمن بمقولة إننا نعيش زمن الرواية، وأرى أنها تدخلني عوالم لا أستطيع أن أدخلها بالشعر. فضلاً عن ذلك أحب كتابة القصة القصيرة المكثفة، وقصصي كلها تقوم على المشاهد وليس الأفكار.

- هل تنشغلين بالجوائز؟ الجوائز موضوع ملغوم، وأنا أشك في صدقية الجوائز عموماً، ومع ذلك أجد أنها لا تعنيني سوى في قيمتها المادية، رغم أنني أكتب لمتعتي الشخصية، فالمال يساعد بالتأكيد على الاشتغال بالكتابة بشكل أفضل.