عفاف طبالة الحائزة على جائزة الشيخ زايد في أدب الطفل

وكالة أنباء الشعر- القاهرة- ولاء عبد الله

البيت والنخلة لعفاف طبالة التواصل معها يشعرك وكأنك تتعامل مع كاتبة شابة ولا يمكن أبدا أن تتخيل أن محاورتك تجاوزت الستين بسنوات عديدة، الا إذا خرجت من سحر حديثها الآسر لتتذكر ذلك الشعر الأبيض الذي يميزها ويعطيها حضورا وتميزا أكبر.. في لقاء الوكالة بكاتبة الأطفال د. عفاف طبالة الفائزة بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع ادب الأطفال، والتي من المنتظر ان تتسلم الجائزة خلال الأيام القادمة في أبو ظبي، الكثير من السحر، فأنت تتحاور مع شخصية فوق العادة، كاتبة بدأت التواصل مع الأطفال بالكتابة بعد سن الستين لتؤكد أن الحياة قد تبدأ حقا بعد الستين فبعد الستين كان القدر يخبئ لها الكثير والكثير وفي سن الخامسة والستين قدمت د. طبالة كتابها الأول المخصص للأطفال، وبرغم أنه العمل الأول فقد فازت من خلاله بأهم جائزة عالمية لأدب الأطفال وهي جائزة بولونيا لكتاب الطفل، تلك الجائزة الأثيرة التي يتمناها الغالبية العظمى من كتاب الأطفال على مستوى العالم، تلك الجائزة التي من المنتظر أن تعلن أيضا نهاية هذا الشهر عن كاتب جديد تخط اسمه من نور بها ليكون له الشهرة الأثيرة في عالم أدب الأطفال، وهي نفسها الجائزة التي حصلت عليها د. طبالة منذ أن بدأت تخطو بقدمها في عالم إبداع الطفل.

بعد هذه الجائزة الهامة والتي لم يتعامل الإعلام المصري والعربي معها على نفس قد أهميتها كجائزة كبرى، فقد توالت على طبالة الجوائز لتؤكد أن ما تقدمه من أعمال تستحق الإهتمام والتقدير، ومن ثم فلن يكون بالمستغرب أن يبدأ العام الحالي بالإعلان عن حصول طيالة بإثنين من أهم الجوائز"جائزة أناليند لأدب الأطفال والتي تأتي تحت عنوان اقرأ في كل مكان والتي شارك فيها متسابقون من خمسة دول عربية، وكذلك جائزة الشيخ زايد للكتاب والتي يشيد النقاد دائما بهذه الجائزة خاصة الفرع الذي نحن بصدد الحديث عن والذي يكشف لنا باستمرار النقاب عن كتاب محققين في أدب الطفل في وقت تخرج التصريحات والتأكيدات على تراجع هذا اللون الأدبي في وطننا العربي. د.طبالة تقول أنها استقبلت خبر الفوز بجائزة الشيخ زايد بالفرحة، وكانت لا تتصور أن يأتيها الفوز خاصة وأنها قبل شهر واحد فازت بجائزة أنا ليند، ومن ثم فقد جاءت فرحتها الثانية بجائزة الشيخ زايد لتكون مضاعفة، وزادت بعد أن قرأت حيثيات الفوز بالجائزة، وقد اختلطت وقتها المشاعر، لكنها في النهاية وجدت أنها تتويج كبير لها ولمسيرتها في الكتابة للطفل، موضحة أنها في عملها الفائز بالجائزة"البيت والنخلة" وكذلك غيرها من الأعمال تعمل وتود أن يكون لدى الأولاد تفكير منهجي، وعقلاني، وإن كان ذلك لا يعني الا يكون في العمل بعض الخيال فالخيال مهم أيضا لإثراء مخيلة الأولاد، وإلا ماكان للبشر الحلم، فالحلم موجود ومتاح ومباح، لكنها تعمد ومن خلال كتابتها للأطفال الاتجاه لما بعد العقل، وما فوق العقل، وهو ما جمعته في كتابها الفائز بجائزة الشيخ زايد، حيث تقول طبالة: "جمعت في الكتاب ما بين الأمرين تحقيق الخيال، ولكن في نفس الوقت من خلال العقل فلا تترك فكرة أن الأسطورة والخيال هي المتحكمة في العمل، وهو في الأساس أسطورة عن سيدة، لكن الأسطورة فيها شيء من الواقع فالشخصية فيها شيء من الأسطورية، خارقة لأنها تبدو هكذا على لسان من يحكيها فالسيدة أو الجدة "بهانة" أساس الحدوته وفيها بالمناسبة جزء كبير من الواقع، وهي تعلي فكرة التعليم فقد نزحت من الجبل ذاهبة إلى العمران والمدينة لتعلم حفيدها، لكنها في الطريق تكتشف أن العيش في المركز يكلفها كثيرا، ومن خلال ثمة ظروف تعيش في قرية، ومن خلال إصرارها على تعليم حفيدها بدأت تحض الناس على تعليم أولادهم، وذلك في وقت اقتصر فيه التعليم على ابن العمدة، فالعمل يدور في ثلاثينيات القرن الماضي، وبالفعل تنجح في ذلك ثم ومع إصرارها تجدها تأخذ الأطفال للمركز حيث المدرسة وتظل يوميا تسير بهم كيلومترات هي المسافة الفاصلة بين القرية والمركز وهكذا يستمر العمل فالأهم في العمل أن يكون جذابا للقارئ، والفكرة لدي أن أقدم صورة وحركة خلال العمل، ويأتي هذا نتيجة لأني مخرجة في الأساس".

وحول اتجاهها لاختيار قيمة التعليم كأساس في عملها الفائز تقول د.طبالة لأن التعليم لدي شيء مهم جدا.. مشيرة إلى أن أصدقاءها، وهم القراء الأوائل لعملها أكدوا لها أنها هي هذه الجدة التي تهتم لتعليم حفيدها وتعمل على الوصول إليه بأي طريقة أو وسيلة ممكنة لدرجة أنها باعت كل ما تملكه وتركت حياتها والمكان الذي عاشت فيه طيلة عمرها وبدأت رحلة الاغتراب من أجل حفيدها من أجل أن يحصل على تعليمه كما تمنت وتمنى والده"ابنها" الذي أوصاها هو الآخر بأن يحصل ابنه على نصيبه في التعليم.

ولأن اللقاء مع دكتورة طبالة كان بمثابة قصة بديعة فقد تولت في كثير من الأحيان دفة الحديث ووجهته مؤكدة على أنها أخذت طوال حياتها أن تكون خلف الكاميرا لا أمامها وبالتالي فإن فكرة إجراء حوار معها تكون مختلفة هي المخرجة التي كانت دوما ما تدير الحياة أمامها من وراء هذه الكاميرا، أما حياتها هي فبسيطة جدا أو تراها كذلك حيث بدأ الأمر معها وهي لا تزال في الرابعة عشر من عمرها عندما تمت خطبتها لابن الجيران الذي أحبته وأحبها، وتزوجته وهي في الثامنة عشر من عمرها ليصرا بعد ذلك على أن تكمل تعليمها لأن التعليم كما قالت هو الأساس في الحياة وهو من أهم الأمور لديها، وبالفعل فبعد زواجها بثلاثة شهور دخلت امتحان الثانوية العامة، لذا فإن المقربين منها والذين يعلمون عن قرب بمشوارها يصرون على أنها بهانه تلك المرأة التي تصر على إعلاء شأن التعليم، وبالفعل تكمل دراستها الجامعية، لكنها لا تكتفي بذلك وتتجه إلى الدراسات العليا فتحصل على الماجستير ثم الدكتوراه.

وتقول بهانة، أو دكتورة عفاف أنها من ثم وجدت أن أبناءها نشئوا محبين للتعليم والمذاكرة لم تكن مشكلة بالنسبة لهم أو أزمة كما نجد لدى بعض الأسر التي تعاني من رفض أبنائهم للدراسة أو كرههم لها، فقد كنت بنفسي أذاكر معهم، وبالتالي فإن المناخ العام في بيتنا كان يحض على العلم والتعلم.

وتعيش فيما بعد د.عفاف حياة بعيدة عن الكتابة والإبداع وتنخرط في عملها، و لم تنس قضيتها التي أخذت على عاتقها أن تهتم بها وبتأصيلها في المحيطين بها وكأنها تعمل بذلك بنفس فكر عميد الأدب العربي د.طه حسين والذي قال رسالتي في الحياة أن يكون التعليم كالماء والهواء، فطبالة هي الأخرى بدأت تزرع وتأصل فكرة التعليم الحقيقي في طلبتها، مقررة أن يحصل التلاميذ الذين درست لهم في الجامعة، وحتى الموظفين الذين عملت معهم في التلفزيون المصري على العلم الحقيقي وأن يكون الأساس لديها هو إعمال العقل والفكر.

أما حول اتجاهها للكتابة فتشير إلى أنها لم تتجه للكتابة إلا بعد بلوغها سن الـ 65، بعد خمس سنوات من خروجها على المعاش، وذلك رغم أن المؤشرات لم تكن تشير لذلك على الإطلاق فقد كانت من البداية لاتحب حصة الإنشاء ولم تكن أبدا بارعة في التعبير خلال الدراسة في حين أنها كانت تحب مادة الرياضيات ومتفوقة فيها لحد بعيد ومن ثم فقد كانت اهتماماتها العلمية أكثر من الأدبية، وكانت بداية اتجاهها للكتابة بعمود في مجلة شاشتي، طلبته منها صديقتها الكاتبة "خيرية البشلاوي" وقد رفضت في البداية وكان ردها أنها لاتعرف ان كان يمكنها ذلك فعلا أم لا خاصة وأن دراستها كانت في الآداب الفرنسية،وبالتالي فإن حتى تعاملها مع اللغة العربية صعب بعض الشيء، لكن مع اصرار البشلاوي اتجهت للكتابة وظلت سنتين تكتب مقالها حتى توقفت بعد أن سئمت طول الوقت.

وحول اتجاهها بعد ذلك للكتابة للأطفال تحديدا وعدم اتجاهها لغير ذلك توضح د. طبالة للوكالة أنها بدأت توثق ترات الحكي بينها وبين أحفادها، فبعد أن كبروا لم يعد لديها من تقص عليهم أقاصيصها التي كانت تختلقها كلها من بنات أفكارها، مشيرة إلى أنها كانت تؤلف جميع القصص والحكايات التي كانت تقصها على مسامع أحفادها،وأنها لم تستعن في أي منها على التراث في الحكي كما يفعل البعض، ولا حتى في أعمالها التي تنشرها، في حين أنها تجد كُتّابا للأطفال يسطون على التراث بدون أي إشارة إلى أنه من التراث مشيرة في ذلك إلى عمل "عود السنابل" والعنوان لقصة قديمة كانت تُحكى لنا ونحن صغار بهذا العنوان، وقد قذفت ذاكرتها بالعنوان إلى شطآن فكرها فبدأت تسأل أختها وأخوها حول القصة لكنهما لم يتذكراها وهي أيضا لم تتذكر القصة فأخذت العنوان وبدأت تصوغ قصة جديدة بقيم عصرية ساحرة، لكنها كان لابد أن تشير في مقدمتها لاقتباس العنوان الذي جاء من شظايا الذاكرة من كثرة استدعائها لأيام طفولتها.

طبالة تشير إلى أن الهدف الرئيس لها في الكتابة هو تشجيع الطفل على القراءة وقد حاولت الوصول إلى ذلك بطرق عده فاتجهت لتقديم (سي دي ) مع بعض الكتب التي تقدمها للأطفال لتشجع الأطفال على التواصل مع الكتاب، وقد أقنعت دار النشر "نهضة مصر " بأفكارها ومن ثم فقد فتحوا لها المجال بأن تقدم كل ما تراه مناسبا للأطفال.

وتنهي حديثها مؤكدة أنها رغم أنها دخلت للوسط على استحياء شديد بكتابها" السمكة الفضية" الذي حاز على جائزة معرض بولونيا لكتب الأطفال، الا ان الجائزة دعمتها ودفعتها لتقديم الكثير من الأعمال التي لاقت اهتماما وقبولا من الكبار قبل الصغار، وأن لديها الكثير من المشاريع وكلها تأتي من خلال شعارها الذي تسير به وهو .. "أكتب لكل الأعمار.. يستمتع بقراءتها الكبار.. فيرونها للأطفال ويقرأها الشطار فيعرف منها الأسرار"، وهو ما دفع الروائي خيري شلبي بعد أن قرأ " البيت والنخلة" أن يسألني لماذا أقول أن هذا العمل للشباب رغم أنها رواية، قلت نعم رواية لكن فيها قيم الأدب الحقيقية لهذه المرحلة العمرية فلا يمكن لشاب في عمر الـ13 أو 14 عاما أن يتجه لقراءة "تغريده البجعة"أو يذهب إلى "عزازيل"، فأنا أعمل على تقديم رواية جيدة ولا اجهد نفسي أبدا لتفصيل رواية عن قيمة ما فحبي تقديري للقيم سيظهر بالتأكيد خلال كتاباتي.