أحزان حمورابي

"أحزان حمورابي" هو مختارات من القصائد المصرية والعراقية والعربية عموما، التي تناولت "المسألة العراقية"، أثناء الهجمة الاستعمارية الأمريكية البريطانية على العراق وقبلها، يقدمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لقارئه، في لحظتنا العربية الحرجة الراهنة، بغرض أن يستطيع ذلك القارئ تكوين صورة إضافية –عبر الشعر- عن المأساة العراقية/العربية التي صارت مزمنة بسبب تكرارها المتكرر، مع ما يمكن أن تتضمنه هذه الصورة (المرسومة بالشعر) من سبل لكسر ذلك الطوق المزدوج: الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي. (أليسا وجهين لعملة واحدة؟). وواضح أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قد حرص –أثناء إعداد هذه المختارات- على ألا يقتصر الاختيار على القصائد التي تتغنى بحرية الوطن العراقي (ومن ثم العربي) منددة بالغزو والاحتلال والاستعمار الخارجي، بل امتد الاختيار إلى القصائد التي تتغنى بحرية المواطن العراقي (ومن ثم العربي) منددة بالقمع المحلي والاستبداد الداخلي. فحرية "المواطن" جزء لا يتجزأ من حرية "الوطن"، إذ "لا حرية لوطن لا حرية للمواطن فيه". ولعل ذلك هو أحد الدروس العديدة، البليغة والمريرة، التي تقدمها لنا المأساة العراقية الراهنة. وواضح، كذلك، أن هذه المختارات ليست (على عددها الوافر) كل ما كتب عن حرية العراق، وطنا ومواطنا، بل هى غيض من فيض. فلا ريب أن نصوصا عديدة قد فاتتنا أثناء الإعداد. هذه المختارات، إذن، هى تمثيل لا حصر على الرغم من وفرة ذلك التمثيل وغناه، كما أشارت ناقدتنا فريال جبوري غزول، في مقدمتها البانورامية المؤثرة. والحق أن عنصرا أساسيا من عناصر غنى هذا الكتاب، لا يعود فحسب إلى القصائد المنشورة أساسيا من عناصر غنى هذا الكتاب، لا يعود فحسب إلى القصائد المنشورة فيه، بل يعود كذلك إلى حضور قلم هذه الناقدة العراقية العربية الكبيرة، الذي ضفر هذه النصوص في رؤية نقدية وفكرية كاشفة. "أحزان حمورابي"، إذن، هى نصوص شعرية عربية يجمعها هم كبير واحد، هو حرية العراق (مواطنا ووطنا: ضد الاستبداد والاستعمار معا)، ولهذا ضمت التيارات الشعرية والاتجاهات الجمالية العديدة، بدءا من العمود التقليدي، مرورا بقصيدة التفعيلة، وانتهاء بقصيدة النثر. وعلى الرغم من أن معيار الاختيار لم يكن "المستوى الفني الرفيع" وحده (إذ زاحمه بالطبع معيار الهم الكبير الواحد) فإن خيطا من الحد الأدنى للمستوى الفني قد ربط الاختيار والانتقاء. فصار أمام القارئ شريط طويل متنوع، يجمع القصائد التي ترفرف بجمال الفن ورفعته، (فضلا عن رفعة الهم)، مع القصائد التي حملها شرف القضية قبل شرف الشعر، لتصبح اللوحة العريضة غنية الأساليب والمستويات والكفاءات والأجيال، راسمة بذلك خريطة كافية لتجسيد تنوع الوجدان العربي (المماثل لتنوع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي) في لحظة مشتعلة مضطربة. أما حمورابي، المشرِّع العراقي الأقدم، فإنه ينظر الآن إلى اندحار حقوق الإنسان العراقي العربي بين براثن الاستبداد "الوطني" وبين براثن الاستبداد "الاستعماري" فيفريه الألم، وتبيضُّ عيناه من الحزن، فهو كظيم. مختارات "أحزان حمورابي" صرخة طويلة ممتدة (من مهدي الجواهري إلى فاطمة ناعوت) ضد احتلال الروح بالنظم السياسية القاهرة، وضد احتلال الأرض برسل الحرية الزائفين. فهل للصرخة من مستمعين في الأجيال العربية القادمة؟