جمال البنا والحرية في الاسلام

محمد اسماعيل غالي - الجزيرة توك - القاهرة 29/10/2009

جمال البنا يعتبر احد المفكرين الاسلاميين الذين قد تختلف معهم وربما وفي احيان كثيره قد تتفق ، اثار موجة من التساؤلات حول الفكر الاسلامي وما المفترض ان يكون عليه المفكر ، بالاضافه الى تساؤلات عدة حول دور هذا المفكر في مجتمعه ورؤية مجتمعه له . لكن بالتأكيد سواء اتفقت او اختلفت معه فان جمال البنا يعتبر اضافه كبيره حين نريد ان نتحدث عن الاسلام والحريات بصفة عامة، وفي مقدمتها بالطبع حرية الفكر التي تنطلق منها كافة الحريات التي أرادها الاسلام كما يراها الكثير من المفكرين .في البدايه فان اول ما يتبادر لذهنك حينما تصل الى منزل البنا، هو حالة من الرهبة والتي من الطبيعي ان تصيب الكثيرين حينما يرى جدران ذلك المنزل المتسع .. والذي يمثل احد المعالم التي تعطي للناظرين عبق القاهرة القديمه ، وقد تحولت الى مكتبة ضخمة ، لكن ما أثار حفيظتي أكثر في حقيقة الامر هو، من هو ذلك الرجل الذي من الطبيعي ان يكون قد قرأ كل هذه الكتب في زمن حل التلفزيون والانترنت محل الكتاب؟ . لذلك حاولت في هذا الحوار سبر اغوار الرجل للوصول للمعاني التي قد يختلف ويتفق عليها الكثيرين حول حرية الفكر في الاسلام كجزء من سلسله طويله قد تمتد لفترات حول الحريات بصفه عامه في الاسلام ، فكان لنا هذا الحوار .

بداية : ومن وجهة نظرك ماهو التوصيف الدقيق لكلمة مفكر ؟ انا احب اطلق على نفسي لقب كاتب وليس مفكر ، ومن الممكن ايضا ان يتم استخدام اللفظ الاسلامي مجتهد . فمن وجهة نظري التفكير ليس ميزه ، ولا هو لقب ، ولكن كل فرد وجب عليه التفكير وحسب قوله تعالى " اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون " اي ان الانسان من المفترض الا يكون غافلا بل لابد ان يفكر في كل الاوقات ، والتفكير بين بالتأكيد هو الفارق الانسان والحيوان . لذلك وجب على كل انسان ان يكون مفكرا .

كيف يكون المفكر اسلاميا ؟ في بادئ الامر لابد ان نوضح نقطه وهي ان هناك فرق بين المقلد والمفكر ، فعلى سبيل المثال كل علماء الازهر هم مقلدون وليسوا مفكرون ، والفكر طبيعه بشريه تظهر في كل وقت ومكان ومجال اذا كان متعلقا بالاسلام او السياسه او غيرهم ، والفكر الاسلامي هو ما يهتم بقضايا الاسلام والمسلمين .

مفهوم الحريه في الاسلام ؟ لابد ان نفرق بين حرية الفكر والاعتقاد ويتبعها حرية التعبير ، ونوع اخر وهو حرية العمل وكل ما يتعلق بالافراد والعلاقات بين الحاكم والمحكوم ، والرجل والمرأه وعلاقات العمل وغيرها من العلاقات ، والنوع الاخير تحديدا لا يوجد فيه مجال للحريه ولكنها تتعلق بالعدل ، لكن ما يتعلق بالحريه هي حرية الاعتقاد وحرية الفكر والتعبير والتي تعتبر من الحريات المطلقه " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " .

لكننا نتحدث عن الحريه في الاسلام المضبوطه بضوابط الشريعه الاسلاميه ؟ لا ضوابط للحريه في الشريعه الا الفكر ، وعندما يرى الفكر تعديل الشريعه فلابد من تعديلها .

لكن ماذا لو اصطدمت تلك الحريه ببعض النصوص القرآنيه ؟ لا يمكن ان يحدث هذا التصادم اذا افترضنا ان للنصوص مقصد ولم تنزل عبثا ، وانما اراد الله بها غايه معينه وهذه الغايه هي العدل او المصلحه ، فكل نص جاء في الشريعه " وهناك فرق بين الشريعه والعقيده فالشريعه هي العمليات الدنياويه " وكل نص في الشريعه اريد به المصلحه ، وعندما نزل هذا النص كان يحقق المصلحه والعدل ولكن التطور قد يأتي بجديد بحيث ان النص لا يحقق الهدف الذي انزل من اجله ، ومن اجل هذا يجب تعديله ، وهنا كلمة تعديل تحمل معنيين الاول : جعله يوافق العدل ، والثاني : من التغيير لكن نؤثر التعديل لان كلمة التعديل بتحصر التغيير في تحقيق العدل ، وهذه النظره هي ما تنبه إليها عمر بن الخطاب من وقت سحيق ولم يكن المجتمع الاسلامي قد تعرض لتطورات كاسحه مثل التي نتعرض لها الان ، ومع ان المده بينه وبين وفاة الرسول لم تتجاوز 12 عام ومع هذا وجد ان التطور الحادث خلال تلك المده القصيره يؤدي الى تجميد نص وعدم تطبيقه لان الظرف اختلف ، مثل نص " المؤلفة قلوبهم " وكان الرسول "ص" يدفع لهم وكذلك ابو بكر وهناك نص واضح بذلك في القرأن فيما يخص مصارف الزكاه ، ولكن عمر وجد ان المجتمع الاسلامي لم يعد في حاجه الى المؤلفة قلوبهم فلم يعمل هذا النص وتكرر ذلك في عام الرماده عندما اوقف حد السرقه .

ما هو الاختلاف بين النموذج الغربي للحريه والنموذج الاسلامي ؟ الحرية في المجتمع الغربي نابعه من الانسان لان الانسان هناك هو الغايه والنهايه ومنه تصدر الحريه ، ولذلك فالحريه في المجتمع الغربي لا حد لها على الاطلاق ، اما الحريه في الاسلام فتنبع من الحق لان الحق هو الذي نزلت به الرسالات ، وهذا يعني ان الحريه لها ضوابط ، باستثناء فصيله واحده من الحريه لا وصايه للحق عليها هذه الفصيله هي حرية الفكر .

لماذا ؟ لان حرية الفكر هي التي تعرفنا بالحق وهي التي تميز بين الحق والباطل ، من اجل هذا لا يمكن ان يكون للحق نفسه وصايه عليها ، لذلك اقول ان حرية الفكر والاعتقاد في الاسلام هي حرية مطلقه .

لكن هناك الكثير من الغيبيات والامور التي لا يعلم عنها العقل الكثير فكيف يصل في النهايه للحق ؟

هنا يأتي دور العقيده ، فكان حديثنا فيما يخص الشريعه والتي أكدنا انها تتعلق بالعدل ، اما في العقيده وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره ، فلا مجال فيها للحريه لان العقل البشري يعجز عن تعرف كنه الله تعالى وذاته ولا يعرف ماذا يحدث بعد الموت ولا الغيب ، والوسيله الوحيده للتعرف على ذلك هي الوحي ، لذلك ارسل الله سبحانه وتعالى الرسل ، لتسلم بها البشريه ، وهذا فيما يخص العقيده فقط .

هناك العديد من تطبيقات حرية الفكر كنوع من أنواع الحريه التي كفلها الإسلام ؟ (ظهور المذاهب الفقهية والحركات الفلسفية والجماعات الدينية). بالطبع هي تطبيقات لحرية الفكر ، لكن لابد ان تتوقف عند هذا الحد لكنها بالتأكيد امثله وتطبيقات لممارسة حرية الفكر

هل نعاني اليوم من تقييد في حرية الفكر والتعبير أم نعاني سيولة في حرية الفكر والتعبير؟ اذا كنا نعاني ازمة هل هي جزء من ازمة الحرية بوجه عام الحريات السياسية والإجتماعية. نحن نعاني من تقييد شديد لحرية الفكر ، ولذلك فالجميع يكرهون لقب مفكر بل وينكرونه على اي فرد ، ولكن هذا جزء من مناخ كبير ساهم فيه سوء نظام الحكم والاجناس والملل التي افسدت المجتمع بالاضافه الى محدودية وسائل الثقافه في العهد القديم واقتصارها على الكتب وفقط ، عوامل عديده ادت الى اغلاق باب الاجتهاد وسيطر التقليد واذا سيطر التقليد انتهت الحريه .

هل الحرية تعني الإصطدام بالاحكام الشرعية والإجتهادات الفقهية السابقة بل والعرف العام ؟ كل ما عدا ذات الله تعالى والغيب يخضع للعقل وبالتالي يخضع للحريه التي يحميها العدل ، فاذا قولنا ان الله تعالى اراد بالشريعه تحقيق العدل فما المؤشر لمعرفة ان ما يحدث هو العدل؟ ، انها حرية الفكر ، لان حرية الفكر هي نوع من اعمال العقل ، وهذا امر ضروري في جميع الحالات .

ما هي المرجعية التى من الممكن ان تعود اليها الأمة عند وجود خلاف في الفروع التى قد تؤثر على الأصل ؟ الخلاف في حد ذاته ليس سيئا لان التعدديه اصل ، والتعارض اصل ، وكما يقول القائل وبضدها تتميز الاشياء . واشتجار الاراء يسفر في النهايه عن الرأي السليم فكل رأي يعبر عن جانب من الحقيقه ولكنه لايعرف الجانب الاخر ، فمع تعدد الاراء تظهر الحقيقه ولذلك يقولون الحقيقه بنت البحث .

ما هو دور النخبة والدولة في مجال حرية الفكر والتعبير ؟

اولا دور الدوله هو ان ترفع يدها عن هذا الموضوع ولا تتدخل ولا تقيد بل تترك المفكرين لحالهم ، اما النخبه فدورهم ان يفهموا ان الثقافه ليست ترفا ولا مزاجا بل هي رساله ، فالطبقه المثقفه تخلت عن دورها ، وذلك يرجع لان معظم هذه النخبه يحملون ثقافات اوربيه ، واوروبا بالطبع لا يشغل فيها الدين اي مكان ، بالاضافه الى ان بعضهم امن ببعض المذاهب السياسيه مثل الشيوعيه والاشتراكيه وكل تلك المذاهب بينها وبين الاسلام ود مفقود ، والبعض الاخر استحوذت عليه الدوله واعطتهم مناصب كبيره ، وخير مثال لذلك ما قام به عبد الناصر مع الاخوان والشيوعيين فسجن الاخوان واعطى الشيوعيين اجهزة الاعلام واصطنعهم ، فتحولوا الى السنه له وما يحدث الان هو مشابه لذلك بأن تجد وسائل اعلام في ايدي مجموعه من المثقفين استحوذت عليهم الدوله ، وحولتهم من دعاه للثقافه الى ميكروفونات .

ما رأيك في حرق محمد مدبولي" صاحب مكتبة مدبولي " لكتابين لنوال سعداوي؟ حرق الكتب مرفوض ، مهما كان ما كتب في تلك الكتب يتم الرد عليه كلمه بكلمه ، طالما لا يوجد فيها بذاءه ولا ابتزاز ولا سفاهه ، مثل ما قام به احد الكتاب وكتب كتاب "لماذا انا ملحد " يتم الرد عليه ب"لماذا انا مؤمن" ، او "لماذا هو ملحد " لتكون الكلمه بالكلمه والمنطق بالمنطق ، ولا بد ان ينتصر الحق في النهايه ، كما ان حرق الكتب لا يعني انتهاء افكاره بل اننا نعطي الفرصه لصاحب الكتاب ان تساعده ايا من المنظمات في العالم ليعيد طبعه ونساعده ان يكون بطلا ويحصد جوائز .

ما هي رؤيتك لمفهوم حرية الاعتقاد في الاسلام ؟ وما الذي يترتب عليها ؟ يترتب عليه ان يصبح الفكر الاسلامي قوي ويمثل عامل تحضر واحد عوامل النهضه ليحقق ما اراده الله و "يخرج الناس من الظلمات الى النور " ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم .

وما هي رؤيتك للردة ؟ وموقف الاسلام من المرتد ؟ لا يمكن معاقبة الناس على ضمائرهم ولا على معتقداتهم ، فالقران ذكر الرده مرارا وتكرارا ، لكنه لم يرتب عليها عقوبه دنيويه ، وفي عهد الرسول (ص) ارتد الكثيرين لكن النبي لم يعاقبهم بأي عقاب . والدليل على ذلك هم المنافقين انفسهم الذين امنوا ثم كفروا وعندما مات كبيرهم صلى عليه النبي( ص) .

لكن الامر هنا متعلق بعدم اكتمال بناء الدوله في تلك الفتره ؟ لكن النبي كان سيد المدينه المطاع ولو كان امر بمعاقبة هؤلاء لتمت معاقبتهم . وتعود قصة هذا الحد الى فقهاء السلطان الذين دائما ما يبحثون عن ما يحمي النظام وليس الاسلام ، فبحثوا في السيره الى ان وجدوا حديث لعكرمه بن ابي جهل رواية عن ابن عباس " من بدل دينه فاقتلوه " وهذا الحديث رفضه الامام مسلم ، واخذه الامام البخاري ولكن بعض علماء الحديث رفعوه الى السماء والبعض الاخر نزلوا به الى الارض ، اي ان الامر مختلف فيه . لكن الفقهاء حولوا هذا الامر ليصير " من جحد معلوما من الدين بالضروره فهو مرتد يستتاب والا يقتل " وتلك الجمله والخاصة بالمعلوم من الدين بالضروره من الممكن ان تضع تحتها العديد من الامور فمثلا لو ادعى احد المسلمين ان الاسلام لا يوجد به طلاق فهذا خطأ كبير لكنه بالتأكيد لا يستوجب القتل واخر لم يطع الحاكم ، هل يستوجب القتل ؟

ولكن ماذا عن الرده في عهد ابي بكر ؟ لم تكن ردة عقيده بل كان اكثر هؤلاء مسلمين ، لكنها كانت ثوره على الدوله بسبب رفض هؤلاء لدفع الزكاه وكلام ابو بكر في هذا الموقف صريح " لو انهم منعوني عقال بعير لقاتلتهم عليه " اذن الامر يعود لشأن اقتصادي .

لكن الامر هنا متعلق بأحد اركان الاسلام التي لا يكتمل الا بها ؟ لكنها لا تتنافى مع الايمان بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الاخر والقدر خيره وشره ، ولكنهم ارادوا ان يعودوا الى حكم القبائل من جديد كما انهم لم يقنعوا بأبي بكر كخليفه لرسول الله اي ان المسأله تتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي .

ما هي علاقة حرية الاعتقاد بالجهاد ؟ ومدى ملاءمة القتال في الاسلام مع حرية الاعتقاد (الفتح)؟ الدافع وراء الجهاد لكي لا يفتن المؤمنون عن دينهم وبدأ اول امر بالقتال بسبب عدوان اهل قريش .

ولكننا هنا نتحدث عن الفتوحات ، فليس من المنطقي ان اذهب للجهاد في بلاد فارس والروم حتى لا يفتن اهل مكه في دينهم ؟ الفتوحات لم تكن على الاطلاق هدفها نشر الاسلام ولو كانت كذلك فمن الجائز ان نقول ان قبول المسلمين بالجزيه كان على سبيل الرشوه ، ولكن الامر يعود الى طبائع الاشياء فمع الاسلام تكون شعب جديد وفكره جديده ، من الضروريلها ان يزحف هذا الفكر وهذا الشعب ليصل للشعوب التي حوله ويعلن عن نفسه ، ولكن هذا ليس معناه تصادم الحضارات ولكنها بالتأكيد احدى المراحل التي تليها مرحلة التسالم ثم التلاقح التي قام فيها المسلمين بترجمة المعارف التي يقوم بها الاخرون . كما ان في ذلك الوقت لم تكن هناك اذاعات او وسائل اعلام ، وما كانت الشعوب لتعلم شيئا عن الاسلام الا بالاتصال المباشر ، ولقد ارسل الرسول (ص) رسائل للملوك ليحملهم مسؤلية شعوبهم وعندما رفضوا لجأ الى القتال وعندما انتهى القتال ترك كل من اصر على دينه . ولقد عرفت الشعوب الاسلام واحبته فاعتنقته لانه دين الفطره فلا يوجد لاهوت في الاسلام ولا كنيسه ولا تعقيدات من التي نراها في الديانات الاخرى .

اذن هل هناك مسؤليه ما تقع على المسلمين او الدوله لنشر الاسلام والتعريف به ؟ نعم بالتأكيد ، ولقد قال الامام حسن البنا حين سأله البعض عن مصير الكفار ودخولهم النار فأجاب انه لايعرف ان كانوا سيدخلون النار ام سندخلها نحن لاننا لم نعرفهم بالاسلام ، والواقع الذي نعيشه الان في حقيقة الامر مزري فغير المسلمين يرون المسلمين وواقعهم المزري ولا يرون الاسلام .

ماذا تعني تلك المفاهيم بالنسبة لجمال البنا ؟( البيعة – الشورى –الديموقراطية) البيعه : هي صوره من صور الانتخاب ، وهي الطريقه الطبيعيه للانتخاب بسبب ظروف القبيله في الماضي ، كما ان صور وطرق الانتخاب الديموقراطيه الحديثه تحتوى على نقاط قاتله بعد ان تحولت الى صناعه جمع الاصوات ، والبيعه بالتأكيد هي عقد اجتماعي وسياسي كامل . الشورى : تصوري في هذا الامر انه من الضروري ان يمتلك الحاكم طاقم استشاري من الفنيين والتكنوقراط ، ولكنه ليس ملزما بتطبيق رأيهم لان رأي التكنو قراط دائما ما يقتصر على اختصاصاتهم وبالتالي فان الحاكم لا بد ان يمتلك صناعة هذا القرار بنفسه ليتحمل مسؤليته وبالتالي تتم محاسبته . الديمو قراطيه : هي افضل النظم السياسيه الموجوده على الساحه هذه الايام ، لكن رغم ذلك فاني اعتبرها الشكل السياسي للرأسماليه العالميه ، وهذا ما يجعلني من المتحفظين عليها

اذن ما هو هو الشكل الامثل لممارسة العمليه السياسيه كما تراه انت ؟ الشكل الامثل هو دولة القانون وليس دولة الاصوات ، ولقد ظهر ذلك في دولة اثينا ثم دولة النبي والتي فرضت على النبي نفسه القصاص ومعنى ذلك العداله الكامله ، لكن في حقيقة الامر لابد ان يتوافر مع القانون " الحريه" وهذا لم يكن موجودا في عهود الدوله الاسلاميه باستثناء العهد النبوي وعهد ابي بكر وعمر .

ايهما اولى تطبيقا الحرية الشخصية ؟ ام احكام الشريعة الاسلامية ؟ لا تعارض بين الاثنين فتطبيق الشريعه الاسلاميه لا يتعارض مع الحريه الشخصيه فلو لم يكن المسلم حرا لما جاز محاسبته .

ما هو مفهومك لسيادة القانون في الاسلام ، وما دورة ومحدداته ؟ القانون في الاسلام بالتأكيد هو القرآن الكريم ، والقيم القانونيه التي نتبناها كمسلمين ، هي القيم التي وضعها القرآن للحكم الرشيد مثل عدم الظلم ، عدم الديكتاتوريه ،عدم توريث الحكم . وهو بالتأكيد افضل من اي صوره ديموقراطيه للمجتمع المسلم لانه سيكون مؤمن بها ، وبالتالي فان الطريق يكون ممهدا لتطبيق الشريعه الاسلاميه ، والتي تتم وقبل كل شيئ عن طريق تعميق الايمان في نفوس الناس بالعقيده والشريعه حتى يؤمنوا بها ليكون العمل مع الامه وليس مع الدوله ، مع الناس وليس مع الحكام ، وعندما يؤمن بها الناس تضغط على الحكومه لكي تطبقها ثم تراقب اداء الحكام ، ولكن هناك خطأ زحف على الاسلاميين وهو ضرورة ان نصنع دوله اسلاميه وهي التي تطبق الشريعه وهذا من وجهة نظري تفكير خاطئ ، فمن المفروض ان من يؤمن بالشريعه هي الشعب اي الامه وليس الدوله والا سنتحول الى نسخ من طالبان او السعوديه . فلابد للقانون ان يكون موضوعي ولن يتأتى ذلك الا اذا كان قانونا الهيا .

تحدثت في كتابك حرية الفكر في الاسلام عن علمانية الاسلام فما هو مفهوم العلمانية كما يراه البنا؟ انا ارى ان الاسلام علماني بطبيعته ، ولكن مع الاخذ في الاعتبار ان العلمانيه لها عدة مفاهيم فان اعتبرناها تعني الدنيويه فانها بالتالي تكون ضد كل الاديان ، ولكن اذا اريد بالعلمانيه عدم وجود كنيسه وعدم دخول هذه الكنيسه في شئون المجتمع فكان من الضروري ان يأتي من يحجم من دور الكنيسه ، ولقد جاءت العلمانيه لتكون ضد الكنيسه وليست ضد الديانه ، ولكن الاسلام لا توجد به كنيسه ، اذن فقد اتفق الاسلام مع العلمانيه وبالتالي فالاسلام علماني ، ففي الاسلام تجوز الصلاه في اي مكان ولا تقتصر على مكان بعينه ، كما انه من الطبيعي ان يصبح ايا من المسلمين اماما ، وكذلك الزواج في الاسلام هو قريب من العقد المدني عكس ما تؤمن به المسيحيه ، وبالتالي فان الاسلام قريب من العلمانيه خاصة فيما يتعلق بعدم تكوينه لدوله .

ماذا تعني بعدم تكوينه دوله ؟ اعني ان الاسلام دين هدايه ، والرسول لم يكون مسؤلا ولا حاكما ولا مسيطرا على المسلمين ولكنه كان ناشرا للاسلام ، وكونه صنع مجتمعا او انشأ دوله " مع التحفظ على ذلك" فيعود ذلك لوجود ملابسات تاريخيه فلم يصدر امر الهي بصنع دوله .

لكن هذا يناقض ما قلته سابقا عن موضوعية القوانين ، ولابد أن تأتي من عند الله ، والان تقول ان الدين الاسلامي لا يصلح لتكوين دوله ؟ الاسلام هو دعوه للهدايه وليس تكوين دوله ،اما الدوله فلا يوجد بها هدايه بل انها مجرد اداة قهر ، فالدوله وحسب طبائع الاشياء تتكون من جيش محترف وسجون وشرطه واوامر بدفع الضرائب وبعدم تحقق ايا من تلك الشروط لا تتحقق الدوله ، وهذا لم يكن موجودا في مجتمع المدينه وبالتالي لم تكن هناك دوله .

ولكننا هنا نتحدث بشأن دوله من طراز مختلف ؟ تحدثت انت عنها ووصفتها بأن الشعب فيها يراقب اداء الحكومه بما يتماشى مع الشرع ؟ لم تتحقق تلك الدوله من سنة اربعين هجريه حتى الان ، لان النموذج النبوي ونماذج عمر وابي بكر كانت استثناءات لا يمكن القياس عليها .

لكن تلك الاستثناءات صنعت لكي يتم الاقتداء بها ومحاولة تطبيقها من جديد وتلك هي حكمة اصطفاء الانبياء من البشر لكي يتم الاقتداء بهم ؟ الرسول هو حاله استثنائيه ولا يمكن لاي شخص ان يكرر ما فعله ، وكان الله سبحانه وتعالى يصحح اجتهاداته فمن يصحح الحكام الان

الشرع والوحي الذي نزل على محمد (ص) ؟ هنا انت تتنازل عن قيمه كبيره جدا هي قيمة الحريه

وما التناقض في ذلك اذا اقررنا ان الحريه هي احد مبادئ الاسلام ومقاصده ؟ لم يحدث عمليا ان قام مثل هذا النموذج الذي تتحدث عنه منذ سنة اربعين هجريه ، بل كانت كل الدول هي دول قهر ، باستثناء دولة الرسول وابو بكر وهذه خاصيه تخصهم وحدهم ولا تخص احدا غيرهم ، وتجربة التاريخ تثبت انك عندما تصنع دوله دينيه فان السلطه تفسد الدين .

اذن كيف يتم تطبيق الشريعه والمفاهيم التي تحدثت عنها فيما يتعلق بالاسلام وخصائصه الا في ظل دوله اسلاميه ؟ لا ابدا ، لابد من التصحيح " الا في ظل امه اسلاميه "

وما الفرق بين الامه الاسلاميه والدوله الاسلاميه ؟ الامه تعني ان الناس يؤمنون طوعا اما الدوله فتعني استخدام القهر

"صنعت الدول لكي تحقق مصالح الامم " فكيف يتفق ذلك مع ما تقوله ؟ هذا كلام غير صحيح ، اذا نشأت الدوله فسدت مصالح الامه ، والاسلام جاء للهدايه والدعوه واظهار الحريه التي يتمتع بها الاسلام وبالتالي تنشأ الامه التي تضغط على الدوله لكي تطبق الشريعه لانها مطلب جماهيري .

طبقا لما تقوله فقد تحققت الدوله ؟ اخيرا : لن تتحقق الدوله المسلمه الا اذا وجد الشعب المؤمن وهذ نظريا يحدث لكن الواقع يثبت ان الاسلام لم يحكم الا في خمس وعشرين عاما .

ما هي شواهد حرية الفكر من سنة الرسول (ص) ؟ الرسول (ص) كان يدعو الناس ولكن معظمهم رفض ذلك لكنه لم يتخذ معهم اية اجراءات ، وهذا اعتراف بحرية الكفر "اذا جاز التعبير " ، وحرية الرفض ، بالاضافة الى حالات عديده منهم من ارتد الى المسيحيه وكان الانصار يقولون للنبي محمد " يا رسول الله اتدعهما يدخلون النار فكانت الاجابه لا اكراه في الدين" ، بالاضافه الى حالات عديده ، ولقد وضع الرسول (ص) مبدأ حرية الدعوه وحرية قبول او رفض الدعوه ، ثانيا كان لديه استعداد للتنازل عن الصغائر باعتبار ان الاسلام يسر وما خير بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن حراما ، وكل ذلك يدخل في نطاق الحريه . وهناك مقوله للاخوان المسلمون دائما ما يرددونها وهي " الاسلام صالح لكل زمان ومكان ، وهذا معناه ان الاسلام لديه مرونه للتعامل مع كل زمان ومكان .

بمناسبة الحديث عن الاخوان ، ما رأيك في حسن البنا؟ وجماعة الاخوان المسلمين ؟ ولماذا لم تنضم للجماعه ؟ حسن البنا قدم للاسلام ما لا يستطيع ان يقدمه غيره ، فبعد عشرين سنه من انشاء الجماعه على احدى مقاهي الاسماعيليه ، ظهرت الاخوان المسلمين في القاهره كهيئه عالميه تقدم الاسلام كمنهج حياه ، وهذا بالتأكيد يؤكد على عبقرية البنا في التنظيم ، لينظم مثل هذه القلعه التي صمدت منذ فاروق وحتى مبارك ، بالاضافه الى ملكات البنا التي جعلته يتفرد بالحنكه العاليه في التعامل مع الشباب ، وهو الذي جعل من شباب الجامعه خطباء مفوهين . ولا نستطيع ان نكلفه بأكثر من ذلك لان دوره كمنظم لم يترك له وقتا كثيرا لكي يكون منظرا ، فكل الدعوات تحتاج الى منظم ومنظر مثل الحركه الشيوعيه التي اسسها كارل ماركس ونظمها لينين ، وكذلك البنا فقد شُغل بالتنظيم وليس بالتنظير ، كما انه لم يتسع له الوقت لكي يعمق التنظير ، ولذلك الاخوان حاليا "كيان اداري قوي ولكن افكارهم ليس لها العمق المطلوب " .

هل ترى في نفسك منظرا لتنظيم البنا ؟ انا اكمل ما بدأه البنا ، ولكن مع اختلاف الزمن فقد كان البنا يعيش في اربعينيات القرن الماضي وقد اختلف الزمان ، بالاضافه الى عامل اخر وهو ان البنا كان قائدا للجماهير ، ومع انه يقود الجماهير الا انها كانت تجبره على اعتناق بعض الافكار فعندما اقول له بعض الملاحظات على موقف الاخوان من المرأه والحريات ....الخ ، كان يسمع ويبتسم ولا يرد في اشاره الى تأكيده على قبوله بما اقول ، ولكن لسان حاله يقول انك تستطيع ان تقول هذا الكلام الذي تقع مسؤليته عليك وحدك اما انا فيقع في مسؤليتي 500 الف فرد فلابد ان اكون في مستوى فكرهم ، الذي لابد يحكمني الى حد كبير ، كما كان مؤمنا بالمراحل ودائما ما كان يقول الوقت جزء من العلاج . لكن البنا لم يترك طويلا فلو تواجد البنا الى الان لتغيرت امورا كثيره فقد توفي في سن 42 سنه . اذن لماذا لم تنضم الى الاخوان المسلمين ؟ افضل دائما الاستقلال لكن صلتي لم تنقطع بهم ، وقد وكل الي البنا عدة مناصب داخل الاخوان مثل مدير مطبعة الاخوان او مدير تحرير مجلة الشهاب وقد قبلت تلك المناصب على اعتبار اني كاتب ومؤلف وهذا قريب من طبيعتي ، وتم اعتقالي مع مكتب الارشاد في عام 48 رغم اني لست عضوا بالجماعه .

اخيرا من وجهة نظر جمال البنا من يحق له الاجتهاد ؟ كل فرد يحق الاجتهاد حتى لو كان لا يمتلك ادوات الاجتهاد Source : http://www.aljazeeratalk.net/node/5092