فوزية أسعد في حوار حول كتابها حتشبسوت المرأة الفرعون

النساء أقدر علي صنع الحضارة


في كتابها عن حتشبسوت
د.فوزية أسعد: النساء أقدر علي صنع الحضارة 
أمل فؤاد - آخرساعة - 12 مارس 2003

هذا الكتاب عن روعة حكْم النساء!
عن ' الست المثالية' حتشبسوت.. فرعونة مصر الوحيدة.. بنت حسب ونسب الأسرة 18 المهيبة (1314 1580 ق م).. حفيدة أحمس طارد الهكسوس.. مشيدة صروح الفن والفكر زمن انفرادها بعرش مصر!
إنه استعادة واجبة من مؤلفته الأديبة وأستاذة الفلسفة الأدبية بالجامعات السويسرية والفرنسية د. فوزية أسعد 'المصرية' لإنجازات هذه الحاكمة الفرعونة التي حققت ما عجز الرجال قبلها وبعدها عنه، من رخاء وازدهار واستقرار بدون فتونة عسكرية ولا أطماع توسعية!
وإذا كانت د. فوزية أسعد قد اجترت سيرة ست الملكات في هذا التوقيت بالذات، فلأنها كما ذكرت قد سئمت حماقات الساسة الرجال!
صدر الكتاب بالفرنسية قبل بضعة أعوام، وترجمه إلي العربية مؤخرا المترجم المتميز ماهر جويجاتي ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة.. والنسخة الطازجة تحتوي تقديما رومانسيا للأديب الفرنسي ميشيل بوتور، وتصديرا حماسيا للأديب المصري الكبير بهاء طاهر.
عن حتشبسوت سألت د. فوزية أسعد:
* بينما تتضافر الجهود الحالية لإعادة تفعيل دور المرأة المصرية ، تقومين باستدعاء حتشبسوت كدلالة تاريخية علي السبق الحضاري للقيادة النسائية في مصر منذ القدم؟
نعم.. فعلت ذلك بوعي وإرادة بحثت خلالها عن خصائص نسائية متفردة ومهمة وهي حرص المرأة علي تحقيق الرفاهية والاستقرار والسكينة والسلام وقد شعرت بإهانة كبري بعد الجريمة الإرهابية التي وقعت في معبد الدير البحري للملكة حتشبسوت عام 1997 حيث أتصور أنها جريمة مخططة ضد المرأة، تلك التي تركت آثارها التنموية حتي قبل حتشبسوت الملكة الفرعون الحاكمة ففي كتابي عنها أفردت فصلا عن ملكات مصريات أخريات شاركن أزواجهن الملوك في الحكم حيث تولين أمور البلاد في غياب الأزواج علي جبهات القتال وأثناء الفتوحات والتوسعات، ولقد حافظت الملكات وقتها علي تماسك الجبهة الداخلية من أي انقلابات أو قلاقل مثل الملكة 'تي تي شيري' وابنتها 'إعحوتب' التي قيل في شأنها قصيدة حماسية لأنها 'تتخذ القرارات من أجل الشعب'.
أما حتشبسوت فتنتمي لشجرة النسب النسائي لهاتين الملكتين ومثيلاتهما وإن كانت قد حكمت مصر واعتلت العرش وحدها قرابة اثنين وعشرين عاما 'شهدت خلالها البلاد عهدا من الفكر المتعمق والفن المزدهر والرفاهية المعيشية' فقد كانت سياستها قوامها الفن والبناء ، فالفن منبع القوة في فكر القدماء المصريين وكذلك الكلمة المعبرة من خلال الجمال حيث كانت اللغة المصرية القديمة ذات ابجديات مصورة، أما جاذبية حتشبسوت رغم عسر الحصول علي معلومات دقيقة عن عصرها فتكمن في قوتها الملموسة فيما تركته من آثار وعلي رأسها معبدها البديع في الأقصر وهو 'الدير البحري' الذي عرف باسم 'روعة الروائع' والذي أخفق تحتمس الثالث ابن أخيها في إخفاء أثرها رغم طمسه لصورها ودفنه لتماثيلها بانتقام ذكوري جسيم بعد اعتلائه العرش.
* وكيف تحققت لديك سيرة تلك الملكة رغم غيابها عن قائمة الملوك بمعبد أبيدوس وتوالي الاضطهاد الذكوري عليها من سائر الفراعنة اللاحقين؟
في كتابي 'حتشبسوت' خيال لم أصنعه بل وجدته متواترا في فلسفات مصرية قديمة، حتشبسوت حالة فسرت الأساطير وقمت أنا بإعادة هذا التفسير اعتمادا علي المدون منها فوق جدران المعابد وأهمها معبدها الفريد (الدير البحر) الذي رغم تعرض صورتها فيه للطمس، إلا أن بعض علماء المصريات في القرون 18 و19 و20 قد تمكنوا من تفسير النقوش المطمورة ودونوها في الدراسات والوثائق التاريخية، كما أن حجارة ما يعرف بالدير الأحمر بمعبد الكرنك في البيلون الثالث منه كشفت المزيد عن هذه الملكة بعد ترميمها، وقد سافرت خصيصا عام 1980 إلي متحف المتروبوليتان بنيويورك كي أزور الجناح الخاص بحتشبسوت هناك حيث رمم العلماء الأمريكيون تماثيلها الفاتنة الدقيقة قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ومنحتني المزيد من المعرفة عنها.
وتعد فلسفة العود الأبدي عقيدة حتشبسوت ومن سبقها وتلاها من الفراعنة وهي كلمة مليئة بالتصورات عن الخلود ما بعد الموت حيث التخلٌّق، وقد تصور قدماء المصريين هذا الخلود بطرق شعبية وروحانية ففي نصوص الأهرامات مثلا توجد فكرة التوالد المتجدد مثل مشرق الشمس ورحلة السفر إليها بمراكب الشمس.. أما رحلة الملكة حتشبسوت إلي بلاد بونت الشهيرة والمدونة علي جدار معبد الدير البحري فقد وجدت بها مفردات تضعها موضع الأسطورة كالبخور الذي جاء ذكره كأحد المواد المجلوبة لمصر من هذه الرحلة والذي يعد في المفاهيم العقائدية للمصريين القدماء هو لحم الآلهة، فهذه الرحلة كانت حقيقية لكنها سجلت بأسلوب أسطوري.. وعموما فتاريخ مصر الفرعونية يمتزج بالأساطير، مما يجعل استخلاص الحقائق منه صعبا، إذ نفتقد الدقة، كما أن الاكتشافات الأثرية المتوالية تفاجئنا بمفاهيم مغايرة لما سبقها.. أما حتشبسوت فكل ما وجدته عن حياتها هو كونها الزوجة الأولي لأخيها تحتمس الثاني، أما اضطهادها فليس له تفسير سوي الغيرة من انفراد امرأة بالحكم ونجاحها فيه، فلم يكن في مصر القديمة أي ظواهر تعصب ضد المرأة، بل وجدت نصوص تعلي من شأنها وتمنحها حق تولي السلطة مثل الرجل وذلك استنادا إلي أسطورة عتيقة عن صورة الآلهة الأولي في العصور السحيقة فقد ذكرت النصوص العتيقة أنهم تكونوا من أجناس هي مزيج بين الرجل والمرأة (نصف امرأة ونصف رجل) وهو ما منح شرعية لشراكة الحكم بين بعض الملوك والملكات مثل إخناتون ونفرتيتي.
* في كتاباتك علي حد قولك إنشغال دائم بالسياسة.. ونحن الآن علي أعتاب حرب وشيكة، تثير حتشبسوت التساؤلات كحاكمة لم تحدث معركة واحدة في عصرها.. هل من دلالة لذلك الأمر؟
أريد بالطبع أن أؤكد عظمة العصور وازدهارها بدون خوض المعارك والحروب الدامية وقد تحقق هدفي في سيرة حتشبسوت التي تألقت البلاد وإرتقت تحت حكمها دون نزاعات أو صراعات داخلية أو خارجية وإن كان بعض علماء المصريات قد حاولوا أن يجدوا بالعافية آثارا تدل علي قيامها بقيادة معارك حربية ففشلوا.. وآخرون حاولوا الحط من قدرها.. وفي رأيي أننا بعد نكسة 1967 وما ألم بنا من سحق معنوي ونفسي شعرت به كواحدة من المصريات تعيش بعيدا عن الوطن تعرضت للمهانة حتي تغيرت الرؤية لنا بعد انتصار 1973 الذي بقدر سعادتي لإنجازنا العسكري فيه، لم أوافق علي فكرة تعظيم الإنسان علي أساس قدرته القتالية لذلك فإن حتشبسوت منحتني حجة الارتقاء الإنساني علي أسس فكرية وفنية رفيعة وليس لنزاع ننتصر أو ننهزم فيه، فلو نظرنا مثلا إلي نابليون بونابرت وفتوحاته الكبري لوجدنا أنها في النهاية لم تمنح بلاده سوي التشتت والهزيمة النهائية وأما هو فانتهي أسيرا لأعدائه ذليلا ممتهنا وتلك في رأيي عاقبة الحروب!
* قمت بكتابة 'حتشبسوت' باللغة الفرنسية قبل ترجمته إلي العربية مؤخرا.. كيف استقبله القراء المولعون بحضارتنا في أوربا وهم كثيرون؟
لكوني كاتبة مصرية وعربية تعيش في الخارج فلي وضع خاص لأن أول رواية كتبتها وهي 'مصرية' تناولت فيها حرب فلسطين، ومن المعروف أن كل ما يمت لهذه القضية بصلة تتبع إزاءه سياسة غامضة تحيل كل ما يروج لها أو يتناولها إلي دائرة التعتيم الإعلامي المتعمد، ولأن اسمي ارتبط في المحافل الأدبية والفكرية بهذه الرواية السياسية فأصبح هناك توجس من أن تكتب مؤلفة مصرية عن التاريخ المصري القديم وعلم المصريات حيث يتصور الأجانب وعلماء المصريات الغربيون أن ذلك العلم الخاص بتاريخنا وحضارتنا هو احتكار ذاتي لهم متذرعين في ذلك الأمر باكتشافهم لأبجدياته علي يد العالم الفرنسي شامبليون الذي فك رموز حجر رشيد وهم يعتقدون منذ ذلك الحين أننا لم نستوعب هذا التاريخ مثلهم، كما لم نحافظ عليه وعندهم أفكار جاهزة عن عدم قدرتنا علي التعامل الحضاري مع تراثنا، لكن كتاب حتشبسوت أثار إعجاب القراء وجذبهم خصوصا بعد حماس الكاتب الفرنسي الكبير ميشيل بوتور إلي كتابة المقدمة الخاصة بالنسخة الفرنسية وبالمناسبة، ميشيل بوتور عاش في مصر وعمل مدرسا للغة الفرنسية في إحدي مدارس المنيا عندما كان طه حسين وزيرا للمعارف، وقد أعطت مقدمته لكتابي دفعة إعلامية في أوربا وفي فرنسا وسويسرا بالذات حيث أقيمت ندوات في منظمة القلم الدولي حضرها العديد من القراء لأن كتابي عن حتشبسوت مغاير للإصدارات الأخري لأنه بحث في إطار فلسفي وروائي ليس مثل الكتابات العلمية التي تحتوي علي أبحاث جامدة ففي كتابي تتواجد المعلومة التاريخية والنظرة الفلسفية للأسطورة الفرعونية وقد أوضحت ذلك في كتاب سابق لي بعنوان الإرهاصات المصرية لفلسفة نيتشه.
* ماذا عن دورك كعضو بارز بمنظمة القلم الدولي في مواجهة الحالة السياسية الشائكة الآن.. وما هي المواقف التي اتخذتموها إزاء البلطجة الصهيونية والأمريكية الموجهة إلينا؟
من خلال عضويتي مع آخرين في منظمة القلم الدولي في سويسرا قمنا عبر موقعنا علي الإنترنت بإرسال التماسات عديدة لوقف العدوان السافر علي الشعب الفلسطيني ولدرء التربص الأمريكي عن العراق وعن المنطقة العربية كلها كما قاطعنا عدة جهات صهيونية رغم قوة حضورها في المحافل الأوروبية وما قد يتهددنا بذلك من أضرار ككتٌّاب يناهضون العربدة الصهيونية في فلسطين وقد شاركت في المظاهرات الأخيرة ضد الحرب علي العراق وفي رأيي أن أوروبا قادرة علي التأثير في الوضع السياسي الراهن.. وقد كتبت في العام الماضي عن مذابح جنين أدين الجرائم الإسرائيلية فيها فأنا أمثل منظمة حقوق الإنسان في منظمة القلم الدولي حيث قدمت تلخيصا للمذابح وعندما أحجموا عن توزيعه اعترضت بشدة وواصلت الإصرار حتي تم توزيعه علي الأعضاء، أما في المؤتمر الأخير فقد تحاورنا بشأن العراق وحاول البعض تجاهل الالتماس الذي قدمته مع عدد من المثقفين المصريين والعالميين ومن بينهم الأديبة المصرية أهداف سويف، فقمنا بالإحتجاج وهدد معنا الأعضاء الفرنسيون بالانسحاب من المؤتمر فكانت شبه ثورة لتمرير هذا الاحتجاج فأصدروا بيانا مناهضا للحرب ولكن بعد أن أصدره فرع القلم الدولي هنا في مصر برئاسة د. فاطمة موسي وهو أمر يدعو للفخر من موقف المثقفين المصريين ضد هذه الحرب الأمريكية المتوقعة علي الأمة العربية كلها.