حوار مع فوزية أسعد

فلسفة حتشبسوت.. سبقت نيتشة

تكتب الفرنسية بروح مصرية د. فوزية أسعد :فلسفة حتشبسوت.. سبقت نيتشة!

أمل فؤاد - آخرساعة - 7 فبراير 2001

بهذه العبارات الدافقة، قدمت أستاذة الفلسفة والروائية الدكتورة فوزية أسعد نفسها في مستهل روايتها الأولي 'مصرية' والتي صدرت عام 1975 بالفرنسية ثم ترجمت قبل خمسة أعوام 1997 إلي العربية لتحدث دويا في الأوساط الأدبية العربية وضعها في مصاف كبار الروائيين وهي التي دلفت إلي الأدب بتردد من عالم الفلسفة وقدمت في تلك الرواية المتميزة مزجا رفيعا بين حياتها الشخصية ومصير الوطن.. وتعيش د. فوزية أسعد في جنيف بسويسرا منذ ثلاثين عاما ولكنها تتواصل بلا انقطاع مع مصر.. حصلت علي جائزة الكتاب السويسريين عن عملين هما 'أطفال وقطط' و'منزل الأقصر الكبير' وهي الوحيدة التي فازت بالجائزة مرتين. وفي معرض القاهرة الدولي الأخير للكتاب أصدرت عبر الدار الفرنسية للنشر دراسة فلسفية عن الملكة حتشبسوت وذلك في إطار اهتمامها كمصرية بالتاريخ المصري القديم.. تقول: كتابي عن حتشبسوت ليس رواية لكنه سيرة ذاتية أسطورية، كأني أقص تاريخها علي لسانها كما دونته علي الآثار الحجرية وفي سبيل ذلك قرأت مراجع هيروغليفية وقد درستها كلغة منذ اهتمامي بالفلسفة المصرية القديمة، وكذلك راجعت الدراسات الفرنسية والألمانية والإنجليزية في نفس المجال ووصلت إلي تفسير أسطورة الحكم الفرعوني وفلسفتها العميقة عن الحياة والموت والفيضان والجفاف.. دورة العود الدائم.. يجف النيل حينا ثم يفيض.. إنها فكرة القدرة الفرعونية عن عودة الحياة.. اتحاد العزيمة والقدرة هي فلسفة فرعونية قديمة سبقت فكر نيتشة الفيلسوف عن السوبرمان والعود الأبدي، فلابد من قوة تفوق قوة الإنسان لتحقيق العود الأبدي.. وأعظم قوة لنيتشة هي سياسة الفن وهي أساسية عند قدماء المصريين وبصفة خاصة في عصر الملكة حتشبسوت وأتعشم أن يترجم هذا الكتاب الأخير إلي العربية ضمن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة مثلما قدموا لي كتابا سابقا هو 'الإرهاصات المصرية لفلسفة نيتشة'.. هل تتابعين أعمال الروائيين المصريين؟ بالتأكيد.. أقرأ ما يكتبون وأعرضه في المقالات التي أنشرها بالدوريات والمجلات الصحفية مثل رواية خالتي صفية والدير لبهاء طاهر وكذلك أعمال جمال الغيطاني ولطيفة الزيات وأهداف سويف التي عرضت روايتها الأخيرة 'خارطة الحب' في ملتقي نسائي بجنيف أجتمع فيه مع سيدات من جاليات دبلوماسية عديدة يهتمون بقضية عدم التسليح وقد عرضت روايتها عن الترجمة العربية التي قامت بها والدتها الدكتورة فاطمة موسي وعندي بصفة شخصية اهتمام خاص بما تكتبه د.أهداف سويف لأنها مثلي، مصرية تعيش بالخارج وتكتب بروح شرقية ولكن باللغة الإنجليزية وقد عرضت مجموعة كتابات أهداف سويف علي صاحب مكتبة نوبل بالسويد وفي نيته أن يقدمها عنده.. وفيم تشتركين ككاتبة تعبر بلغة أجنبية مع أهداف سويف؟ أنا مدركة بأن أهداف سويف التي تكتب بالإنجليزية تتوازي معي ككاتبة تتوجه للقاريء بالفرنسية في خاصية مشتركة هي حرية التعبير كما اننا نضع نصب أعيننا أننا نخاطب قارئا غربيا وفي هذا الإطار أعتقد أننا لعبنا دورا إيجابيا في تحسين صورة المثقف العربي بعد نكسة 1967 لدي العالم خصوصا بعد التعسف الإسرائيلي المستمر ضدنا والذي مازال شرسا في القدس المحتلة خلال الأحداث الجارية الأخيرة.. قامت 'أهداف سويف بالتوجه إلي القدس في محاولة وصفتها بالمواجهة المباشرة لنقل الحقيقة العارية لوجه إسرائيل القبيح وراسلت جريدة 'الجارديان البريطانية' فأثارت استياء بعض المثقفين.. ما رأيك؟ سأحكي تجربتي الذاتية لأنني دعيت للذهاب إلي إسرائيل عندما ترجمت بعض كتبي إلي العبرية لكنني رفضت الذهاب تماما.. قلت لنفسي: لماذا أذهب وأصافحهم حتي لو كنت حانقل صورة الوحشية الموجهة ضد الفلسطينيين.. الصورة فجة وملعونة ومفضوحة ولا ينقصها قلمي فكاميرات الدنيا نقلت الحالة المزرية أما عن كتاباتي فقد وافقت علي ترجمتها حتي يقرأوا أنفسهم فيها ويروا مدي قسوتهم وبشاعتهم.. وحتي لو كتبت عن الانتفاضة الأخيرة أفضل أن أكتب دون أن أذهب.. فلا ذهاب بدون حل حقيقي لمأساة فلسطين ولأنني واعية بالصورة كلها منذ رحلت عن مصر لأعيش في أوروبا منذ بداية الستينيات فقد رفضت مرارا أن يستدرجوني في جدال عن الصراع العربي الإسرائيلي مما كان يصيبني بالاشمئزاز وعقب عدوان 1956 عدت من دراستي بالسربون في باريس وامتنعت عن التحدث باللغة الفرنسية وعملت معادلة عربية للبكالوريا وانضممت للتدريس في قسم الفلسفة بجامعة عين شمس ثم تركت التدريس عندما تزوجت وسافرت مع زوجي الطبيب بمنظمة الصحة العالمية فعدت لأستقر في أوروبا وأنجب أبنائي الذين يحملون مع أحفادي السبعة جنسيات مزدوجة أما أنا فرفضت أن تشارك مصريتي جنسية أخري وأشير هنا لإعجابي كمصرية متعصبة بطرح الروائية سلوي بكر للهوية المصرية بشجاعة في روايتها الجميلة 'البشموري'.. ماذا عن أزمة حرية التعبير وصراع الروايات الثلاث الأخيرة مع وزير الثقافة.. ما مدي متابعتك للأمر؟ لا أستطيع أن أبدي رأيي في الروايات المحظورة لأنني لم أقرأها ولكنني سأسعي للحصول عليها وقراءتها فأنا مسئولة عن اللجنة التنفيذية في منظمة القلم الدولي (Pen International) ومركزها لندن ولها 120 فرعا في جميع أنحاء العالم واللجنة التي أتولاها تهتم بحرية التعبير والتفكير والرأي وقد أخبرت أعضاء اللجنة بأنني سأعتني بهذا الأمر المثار حول حظر الروايات الثلاث الأخيرة وهو الدور الذي قمت به في شأن رواية 'وليمة لأعشاب البحر' لحيدر حيدر. وفي رأيي كروائية أن كتابة الرواية أصعب من كتابة البحث الفلسفي لأن بها خيوط بحث وخيال وتكوين وبداية وصعود وهبوط بالشعور وهو أمر إبداعي مرهف للغاية ولذلك تتعثر في يدي رواية أخيرة رابعة عن التراث الإسلامي والمسيحي تتداخل فيها الأزمنة وتتفاقم أزمات الانهيار الذي أصاب الآثار النادرة عندنا سواء كانت مسيحية أو إسلامية من جراء الإهمال (حريق المسافرخانة المؤلم).. أو بفعل الزلازل والزمن..