باربيزون يهجرون المدينة

بقلم نهى علي عن إسلام أون لاين - ثقافة وفن

في أعقاب الثورة الرومانتيكية في فرنسا ظهرت حركة جديدة في الفن -يُطلق عليها المؤرخون مدرسة عام 1830م، أو مدرسة "باربيزون"- داعية الفنانين إلى هجرة المدن، بل هجرة المراسم للانطلاق وسط الغابات والمروج واستلهام الوحي من أشجارها وغدرانها وبحيراتها وسماواتها في صورتها الطبيعية، بعيدًا عن الصيغ الفنية المصطنعة والقواعد الأكاديمية. وقد لجأ أصحاب هذه المدرسة إلى غابة فونتن بلو Founten blue القريبة من باريس، واستقروا بقرية فيها تدعى باربيزون ومن هنا جاء الاسم، وتخلَّل تاريخ هذه الجماعة فترة من الزمن متأثرة بالنَّزْعة الرومانتيكية، ولكنها تُعَدُّ حلقة بين الرومانتيكية والواقعية من بعدها؛ فقد أراد أصحابها التغني بالطبيعة، والتغني بالأرض باعتبارها الأم الكبرى، واستلهام جو الغموض الذي يكتنف الغابات، واتخاذ المنظر الطبيعي مرآة تنعكس على صفحاتها نفس الفنان ومشاعره.

أهم فَنَّانيها تزَعَّم هذه الجماعة "تيودور روسو" الذي كان يُؤْثِر من الطبيعة مناظرها التي تعطي إحساسًا بالرهبة والقوة: كالأشجار الضخمة، والآفاق العريضة؛ ذات السماوات المتوهجة الألوان ساعة الشروق أو ساعة الغروب. وينسب إلى هذه الجماعة أحيانًا الفنان "جان فرانسوا ميليه Millet "، فبالرغم من اختلافه عن أصحابها اختلافًا أساسيًا في أسلوبه وموقفه من الطبيعة؛ ذلك لأن ميليه قد بدأ حياته فلاحًا يكدح طيلة النهار، فلم ينس إخوانه الكادحين، وعندما انتقل إلى باريس لتعلُّم الفن أخذ يرسم الشحاذين والعمال، فلما التجأ بعد ذلك إلى باربيزون اتجه إلى الطبيعة، والطبيعة عنده هي الحقل وليست روعة السماء أو الأشجار، وموضوعه الأساسي هو الفلاح الذي أصبح عنده رمز الأرض ورمز الإنسان على حد سواء، وفي تصويره قوة صدق، وكان يميل في ألوانه إلى الدرجات القاتمة الكثيفة دون الزاهية الصارخة. وينتسب أيضًا إلى هذه الجماعة المصور كامى كوروه Corot الذي يعد من أروع مصوري المناظر الطبيعية في عصره. فالمنظر الطبيعي في الفن الأوروبي لم يظهر بصورة واضحة إلا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر؛ ولكنه لم يصبح له كيان مستقل، ولم يرتفع قدره إلى مستوى الموضوعات الأخرى إلا مع ظهور كوروه فلقد أحب الطبيعية؛ فعبر عنها وعن وقعها في نفسه في أسلوب رومانسي رقيق يضفي عليها شبه غلالة شفافة تجعلها تبدو كأنها من عالم آخر، فهو فنان لا يقنع بتسجيل ما تقع عليه عيناه، وإنمايُعَبِّر في الوقت نفسه عن رؤياه ومشاعره الباطنة.

لوحتا: "ناثر البذور"، "تنقيح الأرض" للفنان جان فرانسوا ميليه.

فلنتتبع خصائص الفنان: 1- الطبيعة عنده الحقل وليست روعة السماء والأشجار. 2- موضوعه الأساسي الفلاح أو الكادح الذي أصبح عنده رمز الأرض. 3- ألوانه تميل إلى الدرجات الفاتحة الكثيفة، وليست الزاهية الصارخة. 4- في تصويره قوة؛ فالفلاحة الكادحة في الصورة تعطي للشخصية الفلاحة القوة والخشونة. 5- الصدق لأنه عاصر وشاهد وعمل في الحقل فعبر عنه أحسن تعبير.

هاتان اللوحتان للفنان تيودور روسو اللوحة الأولى "مجموعة من الأشجار من غابة الفونتين بلو" والثانية "الغروب"

فلنتتبع خصائص الفنان والمدرسة.

1- كان يحب من الطبيعة مناظرها التي تعطي إحساسًا بالرهبة والقوة كالأشجار الضخمة، والآفاق العريضة ذات الألوان الحية.

2- هجرة المراسم والانطلاق إلى الطبيعة وتصويرها بعيدًا عن القواعد الأكاديمية.