وثائق

الأولـى
تحت شجرة الرمان أعلنت ثورتها . قررت الخروج من رحم أمها . لم تعد تتحمل ضيق المكان وعتمة الليل والنهار . اشتاقت لتعرف معنى الصباح وضوء الشمس . أرادت أن تفتح جفنيها المغلقين دوما في محيطها المائي الخالي من الأمواج . تململت ودفعت برأسها تنظر للأرض الرملية المبللة بماء يرطب حر سبتمبر . تلقفتها الأيدي . بكت من برودة أيديهم المتفحصة لأجزاء جسدها الصغير . علا بكاؤها واختلط بهمساتهم الضاحكة الفرحة بملامحها الدقيقة . وجاء من جاء وذهب من ذهب ليمنحها اسما وينسبها لرجل وامرأة . ويصبح لديها الوثيقة الأولى التي تنسبها لعالم الأحياء .

الثـانـيـة
تقطف ثمرات الرمان الناضجة . تضعها في طبق الفاكهة . تدخل . تسلم عليهما . عيناه تتفحصانها . يغوص في حدائق جسدها . يصعد تلالا وينزل هضابا مبهور الأنفاس . يشتهي الرمان . يعطيها خاتما . وجاء من جاء وذهب من ذهب ليسلبها أسمها و ينسبها لرجل آخر . وتحصل على الوثيقة الثانية التي تدخلها عالم النساء.

الثالثـة
ينخر السوس في سيقان شجرة الرمان . يتقاطر منها الدود . يسبح في الهواء متعلقا بخيوط عنكبوتية تخنق شجرة الرمان . تقع حبات الرمان على الأرض متفحمة . وتعرى الشجرة من الأوراق وتلفحها شمس سبتمبر . تتحد مع همومها . دفقات الألم والحزن تثور بداخلها . تؤجج ثورتها . تسحق روحها . تدعوها لتتخلص من كل أثواب الوهم التي حاكتها في سنوات عجاف . وجاء من جاء وذهب من ذهب وأعاد لها اسمها . وتحصل على الوثيقة الثالثة التي تضعها على الأعراف تتهادى على أرجوحة البين بين.

الـرابـعـة
شجرة الرمان أورثت مكانها لتلال من الصبار الأخضر الزاهي . تتهاوى أيامها . مضرجة بأحلامها . متسربلة بأحزانها . تعلن تسليمها . تأخذ وثيقتها الأولى . تغلق عليها يديها . ترى أمها في غلالة من نور تناديها . تطرح همومها جانبا . ترخي مفاصل روحها . تتمدد على الرمال المبللة بماء تفوح منه رائحة السدر والحناء . تتلقفها الأيدي . تبتسم . تمسك بيد أمها . يعلو بكاؤهم . يركضان معا بين أشجار الرمان . وجاء من جاء وذهب من ذهب ليأخذ منها روحها واسمها وجسدها ويصبح لديهم الوثيقة الرابعة التي تخرجها من عالم الأحزان.