امرأة فى المصعد



كثيرًا كنا نتقابل داخل المصعد . هى خارجة من المكتب الذى تعمل به ، وأنا أيضا منصرف من المكتب المقابل الذى أعمل به . تعارفنا بحكم أننا جيران عمل .
كانت مواعيد حضورنا وانصرافنا منضبطة ودقيقة للغاية نلتقى فى مدخل المبنى ثم نصعد بالمصعد إلى الأعلى ومعنا بعض العاملين وعامل المصعد. فى ساعة الإنصراف وانتهاء الدوام كنا نلتقى أيضا ؛ فنهبط بالمصعد إلى الأسفل ؛ ثم نفترق عند مدخل المبنى كلُ ُ فى طريقه.
شغلتنى المرأة كثيرًا فسألت عنها ، وراقبتها طويلا عرفت أنها مطلقة . ياه . رغم جمالها الفاتن ، وشياكة ملابسها تـُطلق لقد تزوجت من أحدهم ولم تنجب له . أختلفا فى حياتهما فتركها وحيدة .
ملأ تفكيرى ذلك الغبى الذى يترك امرأة بكل هذا الجمال ولا يعيش معها. أنك حينما تنظر إليها تشعر فى التو بدقات قلبك تزداد دقا ، وإذا أمعنت النظر إليها ثانية فدقات قلبك تزداد سرعة كأنك فى سباق إذا رأيتها تتمنى لو لمستها بأصابعك وتحسست مواضعها البضة اللينة ، ولتمنيت كذلك لو شمتت رائحتها الجميلة الذكية وملأت منها خياشيمك .
فى ساعات الإنصراف كنا نهبط بالمصعد إلى الأسفل ومعنا عامل المصعد . كنا نبتسم لبعضنا . وفى حالات أخرى كنت أتجاوز الابتسامة وألمس أناملها فى جرأة . أما فى الآونة الأخيرة إزدادت شجاعتى وقبضت على يدها قبضة واحدة . هكذا ومن خلف ظهر عامل المصعد . ومن الغريب أنه تكرر كثيرًا دون أن يلاحظنا .
بالأمس إنتظرنا المصعد ساعة انصرافنا من العمل ، لم يكن معنا أحد . صعد المصعد خاويا بعدما ضغطنا على مفتاح استدعاءه . دلفنا داخله بمفردنا . أين ذهب عامل المصعد ؟ لا ندرى ولا نريد أن ندرى . حمدت الله على ذلك . أخذت ألعب بأصابعى فى مفاتيح تشغيل المصعد حتى انقطعت أنفاسه فى منتصف الأدوار العليا ، وأصبح معلقًا فى الهواء بين السماء والأرض . ثم أقتربت منها وهى تتابعنى بنظرات عينيها الواسعتين صامتة دون كلمة واحدة . إزداد اقترابى منها حتى إلتصقت بها ، ولعبت بأصابعى فى مفاتيح مفاتنها . لم تقاومنى ، ولم تمانع . إنهلت عليها تقبيلاً فى شوق محترق .
إزدت تقبيلاً لها شوقًا ولهفة وسرعة كظمآن فى قيظ الصحراء عندما يعثر على زجاجة مياه معدنية مثلجة .
ياه .. هل السماء كانت تعلم بإحتراقى وظمأى فأعطتنى هذه الزجاجة الهدية وبادلتنى القبلات كأنها تعيد إحسانى إليها بإحسان مماثل . أرادت أن ترتوى معى من زجاجة القبلات ، نهلت منها كثبرًا وإزدادت القبلات بين السماء والأرض وازدادت معها دقات قلبى حتى أحسست بقوة لهثاتى الساخنة .
فجأة قالت لى : أنهم ينادون من أسفل .
أصغت السمع فإذا بالسكان وعامل المصعد يصيحون من بئر السلم . آمرين بغلق باب المصعد . الصوت يصعد من الأسفل إلى الأعلى .
ـ أقفل الباب " أقفل الباب " أقفل .. ..
هنا وهنت قبلاتى لها فى محاولة يائسة لوصولنا إلى خط النهاية . انتهت نزهتنا فى الأعلى . وانتهى الزمن المتاح لنا من السماء . ضغطت حزينا على زر الهبوط فأندفع المصعد هاويا . الملعون يريد إغاظتنا فهبط مسرعًا على غير عادته .
ثم أعادت ترتيب ملابسها وشعرها أمام المرآة المعلقة أمامها . ياه.. كأن شركة المصاعد قد وضعتها خصيصًا لها . عندما وصل بنا المصعد إلى الأرض . فتح العامل الباب للصاعدين الذين راحوا يرمقوننا بنظرات شرزة، ومعهم نظرات عينيه التى لم تفارقنا حتى خروجنا .
على الباب الكبير للمبنى وقفنا لحظات صامتين ربما لنتخذ القرار ، لكننا اتجهنا فى اتجاهين مختلفين تاركين خلفنا قبلاتنا التى ظلت تتساقط من السماء .