نصوص شعرية ليوسف رزوقة

جمهوريّة بلا رأس أو حديقة أرسطو

شهيّ فراغ الحديقة هذا المساء
استراحة حارسها لن تطول
ولن يتكرّر هذا الفراغ الجميل غدا، في حدائق أخرى
لذا سنمارس هذا المساء هواياتنا
ونؤثث هذا الفراغ بأروع صمت يمارسه عاشقان
ما ألذ الهدوء الذي يسبق العائلات السعيدة، هذا المساء، إلى البحر
ما أعذب الماء يجري إلى مستقرّ له نحو جمجمة دون مخّ.
بلا زوجة أتخيّل هذا المساء
بلا عودة نحو بيت له جدران وسقف وأرضيّة ونوافذ شتّى وباب تشقّق بعد الزّواج بعشرين عاما
لتدخل ريح وتعبث، من حيث شاء الهبوب، بمحتويات المكان.
...ونحن مجانين هذا الفراغ المنظّم في غير ظلم
سنفرغ أنفسنا من نفائسها الذهبيّة كي نتفرّغ، هذا المساء، قليلا لأنفسنا وهي حبلى بأبهى فراغاتها.
في الفراغ المنظّم في غير ظلم
امتلاء بما هو منفى وبحر
ولي أن أجازف هذا المساء
بإفراغ رأسي المنظّم في كأس فودكا
وفي امرأة لا أحبّذ أسلوبها في الحياة
ولي أن أجازف بالقفز نحو الحديقة في مثل هذا المساء
فليس مداها مدى داخليّا لأسرى المكان
فلي فيه أيضا تماثيل ذكرى وموطئ حلم وأشياء أخرى
ولي فيه أيضا خطى جدّتي
ما استظلّت بأرزتها تلك إلاّ لترحل بحرا إلى صفر مجهولها
حيث لا فيء إلاّ الفراغ

شهيّ فراغ الحديقة هذا المساء
بإمكاننا أن نموت قليلا
وننسى نقيق الضفادع، لغط الجماهير في الشارع، البحث عن موقع في الضباب المؤدّي إلى القبر، شكل الإقامة في نقطة ما، التّسوّل من أجل شيء زهيد...
بإمكاننا أن نموت قليلا
وننسى الحياة الجديدة، كابوس أيّامنا المتشابهة، الغشّ في عشّ عصفورة غادرتها البراءة وهي ترى اللغم يأكل من حيث لا تشتهي بيضها، كلّ ما صنعته الثقافة من سلع، كلّ شيء يعولمه أثرياء الخريطة من أجل فيلم جديد بعنوان "دراما الدمار".
بإمكاننا أن نموت قليلا
ونفرغ أنفسنا من نفائسها الذهبيّة كي نتفرّغ، هذا المساء، قليلا لأنفسنا وهي حبلى بأبهى فراغاتها.
لا حقيبة في الرّأس إلاّ الفراغ
شهيّ فراغ الحديقة في شكله
غير أنّ الحديقة يحرسها، وهي شاغرة، عاشقان
أرسطو المكان
وسيّدة تطلق النحل في رحلة الألف ميل
وحتّى يعود إليها بأشهى رحيق
تقلّم أظفارها
وتشذب أزهارها
ثمّ تفتح باب حديقتها لأرسطو.

في بيت عرار

في بيت عرار
ذات أغسطس من عام البتراء وإربد والخمسين نزيلا من شعراء العالم في جرش اليوبيل الفضّيّ، إلخ
نهضت بين السّبّابة والإبهام نقاط استفهام
طارت
بمجرّد أن نفخت في الضيف الشّاعر ريح غامضة
فإذا بأصابعه
تمتدّ كما الإعصار إلى أعلى ما يمكن
حيث النّجمة
عند الخيمة
تمشط شعر حفيدتها الغجريّة
تحت سماء من كريستال
حيث عرار وغوركي بين ملائكة وشياطين
يصلان سماءهما بالأرض
سلالم للغجر النّاجين من البلدوزر كاسحة الأنغام
إلى أعلى
تمتدّ يدا غوركي وعرار
حيث النّجمة
عند الخيمة
تمشط شعر حفيدتها الغجريّة
تحت سماء من كريستال

ذاك ضريح الشّاعر
تلك ملامحه في الحائط
ما أعلى يده
تمتدّ من الشّعراء، إلى الجمهور
وتدعو أعلاهم صمتا
كي يجلس حيث التّوتة، في قلب الإيوان، جوار القبر
ليقرأ شيئا من "عشيّات وادي اليابس"
أمّا الأخضر في الموضوع
ونحن نقلّبه حجرا، حجرا
تاريخا، إنسانا ومواسم
فهو، بلا شكّ، الشّاعر ربّ البيت
يهزّ بجذع التوتة - كدت أقول بجذع النوتة- هذا اليوم
فتهمي موسيقى صفراء
وغير بعيد عنها
تسترخي امرأة قدّام مراياها
لا ترسم إلاّ الأخضر من أوراق العرعر والغجر النّاجين من البلدوزر
في حين استدعى الطّفل الشّيليّ لويس أرياس مواطنه بابلو نيرودا
كي يلجا بيت الأسرار معا
وعرار في مثواه
يعاين صورته في الحائط، مبتسما
ويتمتم: ذاك الشّاعر، يشبهني؟ لا يشبهني؟
ليذوب أخيرا في الجمهور
يصفّق للشّعراء
وقد نزلوا للتوّ عليه ضيوفا مسكونين بشيء ما
كم كان سخّيا
وهو يصفّق للشّعراء، يتامى خارطة لم توجد بعد!
وكم كانت يده جذلى بسنابلها!

لغاية في غابة

كلّ الوحوش
- لغاية في غابة-
سلكوا طريقا لولبيّا ما عدا الذّئب الجريح
عوى ثلاثا وهو يمضي عكسهم
ليقيم في قلب المدينة
بين تمثالين، من عهد مضى، متواجهين
وكان إنسانا إلى حدّ الشّعور
بأنّ تمثالين، من عهد مضى، متجهّمين
يغادران لأجله وضع الجماد
ويجلسان إليه، مبتسمين
ما أعلى عواء رفاقه المتهافتين على الظّلام
وما ألذ نشيجه، هذا المساء!

لغاية في غابة أيضا عوى الذئب الجريح
فقامت الأشجار تسترضيه : أن عد
غير أنّ الذئب أمعن في العواء ولم يعد.

ذات غربة

بطرسبورغ، الأرميتاج
وبين مراياه المتعاكسة، اشتبك الشّيطان مع الأشياء
وبين أصابعنا، نزّت جدران ظامئة
كم كانت أنثى
وهي تودّعني!

يفغيني يفتوشنكو

الغربة
غورباتشوف
غرابة ما لم يغرب بعد
اغرب عن وجهي !
لكنّ السّنجاب تجاهل تهديدات الشّاعر
واستولى من ثمّ
على حبّ امرأة
كانت تتجمّل غير بعيد عن يفتوشنكو
لفتاها القادم بعد قليل
من فزّاعة غورباتشوف